قال الآلوسى : وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله ـ تعالى ـ بها المشركين ، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم .. وينقبضون من ذكر الله ـ تعالى ـ وحده ـ ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه ـ عزوجل ـ وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله. وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة ، وينسبونه إلى ما يكره ..» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يلتجئ إلى خالقه وحده من شرور هؤلاء المشركين ، وأن يفوض أمره إليه ، فقال ـ تعالى ـ (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
ولفظ : (اللهُمَ) أصله يا الله. فلما استعمل دون حرف النداء. عوض عنه بالميم المشددة التي في آخره.
ولفظ «فاطر ، وعالم» منصوبان على النداء.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الاستعاذة والاعتزال لما عليه هؤلاء المشركون من جهل وسفه ، يا الله ، يا خالق السموات والأرض ويا عالم الغائب والمشاهد. والخفى والظاهر من أمور خلقك ، أنت وحدك الذي تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا ، فتجازى كل نفس بما تستحقه من ثواب أو عقاب.
وما دام الأمر كذلك ، فاهدني إلى صراطك المستقيم ، وجنبني الشرك والمشركين.
فالمقصود بالآية الكريمة تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما فعله المشركون معه ، وإرشاده إلى ما يعصمه من كيدهم. وتعليم العباد وجوب الالتجاء إلى الله ـ تعالى ـ وحده ـ لدفع كيد أعدائه عنهم.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث ، منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة : بأى شيء كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟
قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته بقوله : «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض. عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم ..» (٢).
__________________
(١ ، ٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ١١.