وقال صاحب الكشاف : «بعل ـ بكسر العين ـ أى : دهش وفزع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من شدّة شكيمتهم في الكفر ، فقيل له : «ادع الله بأسمائه الحسنى ، وقل : أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم ، ولا حيلة لغيرك فيهم». وفيه وصف لحالهم ، وإعذار لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتسلية له ، ووعيد لهم .. (١).
وبعد هذه التسلية من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم بين ـ سبحانه ـ لهؤلاء الذين إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم .. بين لهم ما لهم من سوء المصير فقال : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ..).
أى : أن العذاب المعد لهؤلاء المشركين شيء رهيب ، ولو أن لهم جميع ما أعد في الأرض من خيرات ، ولهم ـ أيضا ـ مثل ذلك منضما إليه ، لقدموه فداء لأنفسهم ، أملا في النجاة من سوء العذاب الذي ينتظرهم يوم القيامة.
فالآية الكريمة وعيد لهم ليس بعده وعيد ، وتيئيس لهم من النجاة ليس بعده تيئيس.
ومن الآيات الكثيرة التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٢).
ثم هددهم ـ سبحانه ـ بتهديد آخر فقال : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).
أى : وظهر لهم يوم القيامة من ألوان العقوبات ، ومن فنون الآلام ، ما لم يكونوا في الدنيا يظنون أنه سيقع بهم ، وما لم يكن واردا في حسبانهم.
قال صاحب الكشاف : وقوله ـ تعالى ـ (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ..) وعيد لهم بعذاب ما دروا كنهه لفظاعته وشدته ، وهو نظير قوله ـ تعالى ـ في الوعد : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ..).
والمعنى : وظهر من سخط الله وعذابه ، ما لم يكن قط في حسابهم ، وما لم يحدثوا به أنفسهم.
وقيل : عملوا أعمالا حسبوها حسنات ، فإذا هي سيئات.
وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال : ويل لأهل الرياء. ويل لأهل الرياء.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٣٢.
(٢) سورة المائدة الآيتان ٣٦ ، ٣٧.