وجزع بعض الصالحين عند موته ، فسئل عن سبب ذلك فقال : أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسبه ، ثم قرأ هذه الآية» (١).
ثم تهديد ثالث يتمثل في قوله ـ تعالى ـ : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) والمراد بسيئات ما كسبوا : الأعمال السيئة التي اكتسبوها في دنياهم ، وهذا البدو والظهور يكون عند عرض صحائف أعمالهم عليهم. و «ما» موصولة أو مصدرية.
أى : وظهر لهم عند عرض صحائف أعمالهم عليهم يوم القيامة ، الذي عملوه واكتسبوه في الدنيا من رذائل (وَحاقَ بِهِمْ) أى : وأحاط ونزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في حياتهم ويتهكمون بمن كان يحذرهم منه في الدنيا.
وبعد هذا التصوير الرهيب لمصير هؤلاء المشركين يوم القيامة ، عادت السورة إلى بيان تناقضهم مع أنفسهم ، فهم إن سئلوا عمن خلق السموات والأرض ، قالوا : إن خالقهما هو الله ، ومع ذلك يعبدون غيره وتشمئز قلوبهم عند ذكره وحده.
وهم يتقربون إلى آلهتهم بالطاعات ، ومع ذلك فهم عند نزول الشدائد بهم ، ينسون تلك الآلهة ويتجهون إلى الله ـ تعالى ـ وحده بالدعاء.
لنستمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى أحوالهم في السراء والضراء فتقول : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ...).
والمراد بالإنسان هنا هو جنس الكفار ، بدليل سياق ، الآيات وسباقها ويصح أن يراد به جنس الإنسان عموما ، ويدخل فيه الكفار دخولا أوليا.
أى : فإذا أصاب الإنسان ضر ، من مرض أو فقر أو نحوهما ، دعانا قاعدا أو قائما. لكي نكشف عنه ما نزل به من بلاء.
(ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا ..) أى : ثم إذا أجبنا لهذا الإنسان دعوته وكشفنا عنه الضر وأعطيناه على سبيل التفضل والإحسان نعمة من عندنا ، بأن حولنا مرضه إلى صحة ، وفقره إلى غنى.
(قالَ) هذا الإنسان الظلوم الكفار (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) منى بوجوه المكاسب ، أو على علم منى بأن سأعطى هذه النعمة ، بسبب استعدادي واجتهادي وتفوقى في مباشرة
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٣٣.