والاستفهام في قوله : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ..) للإنكار والنفي.
أى : لا يصح ولا يجوز أن اتخذ معه في العبادة آلهة أخرى ، كائنة ما كانت هذه الآلهة ، لأنه (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) من النفع ، حتى ولو كان هذا النفع في نهاية القلة والحقارة.
(وَلا يُنْقِذُونِ) : ولا تستطيع هذه الآلهة إنقاذى وتخليصي مما يصيبني من ضر أراد الرحمن أن ينزله بي.
(إِنِّي إِذاً) لو اتخذت هذه الآلهة شريكا مع الله في العبادة (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أى : لأكونن في ضلال واضح لا يخفى على أحد من العقلاء.
ثم ختم حديثه معهم بإعلان إيمانه بكل صراحة وقوة فقال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) ، الذي خلقكم ورزقكم (فَاسْمَعُونِ) أى : فاسمعوا ما نطقت به ، واشهدوا لي بأنى آمنت بربكم الذي خلقكم وخلقني ، وكفرت بهؤلاء الشركاء ، ولن أشرك معه ـ سبحانه ـ في العبادة أحدا. مهما كانت النتائج.
وهكذا نرى الرجل الصالح الذي استقر الإيمان في قلبه ومشاعره ووجدانه يدافع عن الحق الذي آمن به دفاعا قويا دون أن يخشى أحدا إلا الله ، ويدعو قومه بشتى الأساليب إلى اتباعه ويقيم لهم ألوانا من الأدلة على صحة ما يدعو إليه.
ثم يصارحهم في النهاية ، ويشهدهم على هذه المصارحة ، بأنه قد آمن بما جاء به الرسل إيمانا لا يقبل الشك أو التردد ، ولا يثنيه عنه وعد أو وعيد أو إيذاء أو قتل.
ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد أجاد في تصوير هذه المعاني فقال ما ملخصه : قوله : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) كلمة جامعة في الاستجابة لدعوة الرسل ، أى : لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم ، وتربحون صحة دينكم ، فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة.
ثم أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه ، وهو يريد مناصحتهم ، وليتلطف بهم ويداريهم .. فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ثم قال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) يريد فاسمعوا قولي وأطيعونى ، فقد نهيتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه ، أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم .. (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١١.