(فَاغْفِرْ) بمقتضى سعة رحمتك وعلمك (لِلَّذِينَ تابُوا) إليك توبة صادقة نصوحا (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) الحق ، وصراطك المستقيم.
(وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أى : وصنهم يا ربنا واحفظهم من الوقوع في جهنم لأن عذابها كرب عظيم.
يا (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ) أى : وأدخلهم جناتك دخولا دائما لا انقطاع معه. يقال : عدن فلان بالمكان يعدن عدنا ، إذا لزمه وأقام فيه دون أن يبرحه ، ومنه سمى الشيء المخزون في باطن الأرض بالمعدن ، لأنه مستقر بداخلها.
(الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) فضلا منك وكرما.
وأدخل معهم (مَنْ صَلَحَ) لدخولها بسبب إيمانهم وعملهم الطيب (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ) يا مولانا (الْعَزِيزُ) أى : الغالب لكل شيء (الْحَكِيمُ) في كل تصرفاتك وأفعالك.
فالمراد بالصلاح في قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) : من كان منهم مؤمنا بالله ، وعمل عملا صالحا ، ودعوا لهم بذلك. ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإنسان في الجنة ، يزيد سروره وانشراحه.
(وَقِهِمُ) يا ربنا (السَّيِّئاتِ) أى : احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات ، ومن العقوبات التي تترتب على ذلك ، بأن تتجاوز عن خطاياهم.
(وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) أى : في يوم القيامة الذي تجازى فيه كل نفس مما كسبت (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أى : فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء.
(وَذلِكَ) الذي تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة ، ومن وقايتهم السوء.
(هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا يضارعه فوز ، والظفر الكبير الذي لا يقاربه ظفر ، والأمل الذي لا مطمع وراءه لطامع.
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.
وكعادة القرآن الكريم في قرن الترغيب بالترهيب أو العكس : جاء الحديث بعد ذلك عن الكافرين. مبينا انقطاعهم عن كل من يشفع لهم ، أو يدعو لهم بخير ـ كما دعا الملائكة للمؤمنين ـ فقال ـ تعالى ـ :