بكلام من أعطاه حقه وافيا ، فضلا عن أن يتعصب له ، وتقديم الكاذب على الصادق أيضا من هذا القبيل .. (١).
ثم أرشد الرجل المؤمن الحصيف قومه إلى سنة من سنن الله التي لا تتغير فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
أى : إن سنة الله ـ تعالى ـ قد اقتضت أنه ـ سبحانه ـ لا يهدى الى الحق والصواب ، من كان مسرفا في أموره ، متجاوزا الحدود التي شرعها الله ـ تعالى ـ ومن كان كذابا في إخباره عن الله ـ تعالى ـ ، ولو كان موسى مسرفا أو كذابا ، لما أيده الله ـ تعالى ـ بالمعجزات الباهرة. وبالحجج الساطعة الدالة على صدقه.
فالجملة الكريمة إرشاد لهم عن طريق خفى إلى صدق موسى فيما يبلغه عن ربه ، وتعريض بما عليه فرعون من ظلم وكذب.
قال الجمل في حاشيته : فالجملة الكريمة كلام ذو وجهين نظرا لموسى وفرعون.
الوجه الأول : أن هذا إشارة الى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى ، والمعنى : إن الله هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة ، ومن هداه الله إلى ذلك لا يكون مسرفا ولا كذابا.
الوجه الثاني : أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى. وكاذب في ادعائه الألوهية ، والله لا يهدى من كان كذلك .. (٢).
ثم أخذ في تذكيرهم بنعم الله عليهم ، وفي تحذيرهم من نقمه فقال : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ، فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا).
أى : وقال الرجل المؤمن لقومه ـ أيضا ـ : يا قوم ، أى : يا أهلى ويا عشيرتي ، أنتم اليوم لكم الملك ، حالة كونكم ظاهرين ، أى : غالبين ومنتصرين في أرض مصر ، عالين فيها على بني إسرائيل قوم موسى.
وإذا كان أمرنا كذلك ، فمن يستطيع أن ينصرنا من عذاب الله ، إن أرسله علينا ، بسبب عدم شكرنا له ، واعتدائنا على خلقه.
وإنما نسب إليهم ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض دون أن يسلك نفسه معهم ، وسلك نفسه معهم في موطن التحذير ، تطييبا لقلوبهم ، وإيذانا بأنه ناصح أمين لهم ، وأنه لا
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٦٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٣.