يهمه سوى منفعتهم ومصلحتهم ..
وهنا نجد القرآن الكريم يخبرنا بأن فرعون بعد أن استمع إلى نصيحة الرجل المؤمن ، أخذته العزة بالإثم ، وقال ما يقوله كل طاغية معجب بنفسه : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى ، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ).
أى : قال فرعون لقومه ، في رده على نصيحة الرجل المؤمن : يا قوم لا أشير عليكم ولا أخبركم إلا بما أراه صوابا وخيرا ، وهو أن أقتل موسى ـ عليهالسلام ـ وما أهديكم برأيى هذا إلا إلى طريق السداد والرشاد.
وغرض فرعون بهذا القول ، التدليس والتمويه على قومه. وأنه ما يريد إلا منفعتهم ، مع أن الدافع الحقيقي لقوله هذا ، هو التخلص من موسى حتى يخلو له الجو في تأليه نفسه على جهلة قومه ، فإنهم كانوا كما قال ـ تعالى ـ في شأنهم : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
ولكن الرجل المؤمن لم يسكت أمام هذا التدليس والتمويه الذي نطق به فرعون ، بل استرسل في نصحه لقومه. وحكى القرآن عنه ذلك فقال : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ..).
أى قال لهم : يا قوم إنى أخاف عليكم إذا تعرضتم لموسى ـ عليهالسلام ـ بالقتل أو بالتكذيب ، أن ينزل بكم عذاب مثل العذاب الذي نزل على الأمم الماضية التي تحزبت على أنبيائها ، وأعرضت عن دعوتهم ، فكانت عاقبتها خسرا ..
فالمراد بالأحزاب : تلك الأمم السابقة التي وقفت من أنبيائها موقف العداء والبغضاء. وكأن تلك الأمم من حزب ، والأنبياء من حزب آخر ..
والمراد باليوم هنا : الأحداث والوقائع والعقوبات التي حدثت فيه. فالكلام على حذف مضاف.
أى : أخاف عليكم مثل حادث يوم الأحزاب.
وقوله : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) بدل أو عطف بيان من قوله (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ).
والدأب : العادة الدائمة المستمرة يقال : دأب فلان على كذا ، إذا داوم عليه وجد فيه ، ثم غلب استعماله في الحال والشأن والعادة.
أى : أخاف عليكم أن يكون حالكم وشأنكم كحال قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم