كقوم لوط ، فهؤلاء الأقوام كذبوا أنبياءهم فدمرهم الله ـ تعالى ـ تدميرا ، فاحذروا أن تسيروا على نهجهم بأن تقصدوا موسى ـ عليهالسلام ـ بالقتل أو الإيذاء ، فينزل بكم العذاب مثل ما نزل بهم.
(وَمَا اللهُ) ـ تعالى ـ (يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أى : فما أنزله ـ سبحانه ـ بهم من عذاب ، إنما هو بسبب إصرارهم على شركهم. وعلى الإعراض عن دعوة أنبيائهم ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ثم يواصل الرجل المؤمن تذكير قومه بأهوال يوم القيامة فيقول : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ).
أخاف عليكم يوم القيامة الذي يكثر فيه نداء أهل الجنة لأهل النار. ونداء أهل النار لأهل الجنة ، ونداء الملائكة لأهل السعادة وأهل الشقاوة.
فلفظ «التناد» ـ بتخفيف الدال وحذف الياء ـ تفاعل من النداء ، يقال : تنادى القوم ، إذا نادى بعضهم بعضا ..
وقوله : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ...) بدل من يوم التناد. أى : أخاف عليكم من أهوال يوم القيامة ، يوم تنصرفون عن موقف الحساب والجزاء فتتلقاكم النار بلهيبها وسعيرها ، وتحاولون الهرب منها فلا تستطيعون. لأنه لا عاصم لكم ولا مانع في هذا اليوم من عذاب الله ـ تعالى ـ وعقابه.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أى : ومن يضلله الله ـ تعالى ـ عن طريق الحق بسبب سوء استعداده ، واستحبابه العمى على الهدى. فما له من هاد يهديه إلى الصراط المستقيم.
وهكذا نجد الرجل المؤمن بعد أن خوف قومه من العذاب الدنيوي ، أتبع ذلك بتخويفهم من العذاب الأخروى.
ثم ذكرهم بعد ذلك بما كان من أسلافهم مع أحد أنبيائهم فقال : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ ، حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً).
والذي عليه المحققون أن المراد بيوسف هنا : يوسف بن يعقوب ـ عليهماالسلام ـ والمراد بمجيئه إليهم : مجيئه إلى آبائهم ، إذ بين يوسف وموسى ـ عليهماالسلام ـ أكثر من أربعة قرون ، فالتعبير في الآية الكريمة من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأبناء لسيرهم على منوالهم وعلى طريقتهم في الإعراض عن الحق.