أى : ولقد جاء يوسف ـ عليهالسلام ـ إلى آبائكم من قبل مجيء موسى إليكم ، وكان مجيئه إلى آبائكم مصحوبا بالمعجزات والبينات ، والآيات الواضحات الدالة على صدقه.
(فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) أى : فما زال آباؤكم في شك مما جاءهم به من البينات والهدى ، كشأنكم أنتم مع نبيكم موسى ـ عليهالسلام ـ.
(حَتَّى إِذا هَلَكَ) أى : مات يوسف ـ عليهالسلام ـ.
(قُلْتُمْ) أى : قال آباؤكم الذين أنتم من نسلهم (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) فهم قد كذبوا رسالته في حياته ، وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ، لأنهم نفوا أن يكون هناك رسول من بعده.
فأنت ترى أن الرجل المؤمن يحذر قومه من أن يسلكوا مسلك آبائهم ، في تكذيب رسل الله ، وفي الإعراض عن دعوتهم.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ) يعنى : أهل مصر ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ، وهو يوسف ـ عليهالسلام ـ ، كان عزيز أهل مصر ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته القبط ، فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة. والجاه الدنيوي. ولهذا قال : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أى : يئستم فقلتم طامعين : (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) وذلك لكفرهم وتكذيبهم (١).
وقوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) أى : مثل ذلك الإضلال الفظيع ، يضل الله ـ تعالى ـ من هو مسرف في ارتكاب الفسوق والعصيان ، ومن هو مرتاب في دينه. شاك في صدق رسوله ، لاستيلاء الشيطان والهوى على قلبه.
ثم بين لهم أن غضب الله ـ تعالى ـ شديد ، على الذين يجادلون في آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال قدرته ، وعلى صدق أنبيائه ، بغير حجة أو دليل فقال (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ...).
وقوله : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ ...) مبتدأ ، وخبره قوله ـ تعالى ـ : (كَبُرَ مَقْتاً ..) والفاعل ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من قوله (يُجادِلُونَ) أى : كبر جدالهم و (مَقْتاً) تمييز محول عن الفاعل ، أى : عظم بغضا جدالهم عند الله وعند المؤمنين.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٣٣.