قد بلغوهم دعوة الله ، والملائكة الذين يشهدون للرسل بالتبليغ ، وللمؤمنين بالإيمان وللكافرين بالكفر ، وكل من يقوم يوم القيامة للشهادة على غيره يكون من الأشهاد.
أى : لقد اقتضت سنتنا التي لا تتخلف أن ننصر رسلنا والمؤمنين في الدنيا بالحجة الدامغة التي تزهق باطل أعدائهم ، وبالتغلب عليهم ، وبالانتقام منهم.
وأن ننصرهم في الآخرة كذلك بأن نجعل لهم الجنة ، والنار لأعدائهم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أى : في الدنيا والآخرة ، يعنى أنه ينصرهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على أعدائهم ، وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحانا من الله ، فالعاقبة لهم ، ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين (١).
وما ذكره صاحب الكشاف فإننا نراه واقعا في سيرة الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي سيرة أتباعه فلقد هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة وليس معه سوى أبى بكر الصديق ، وعاد إليها بعد ثماني سنوات فاتحا غازيا ظافرا ، ومن حوله الآلاف من أصحابه.
والمؤمنون قد يغلبون ـ أحيانا ـ ويعتدى عليهم .. ولكن العاقبة لا بد أن تكون لهم. متى داوموا على التمسك بما يقتضيه إيمانهم من الثبات على الحق ، ومن العمل الصالح ..
وعبر ـ سبحانه ـ عن يوم القيامة ، بيوم يقوم الأشهاد ، للإشعار بأن نصر الرسل والمؤمنين في هذا اليوم سيكون نصرا مشهودا معلوما من الأولين والآخرين ، لا ينكره منكر. ولا ينازع فيه منازع.
وقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ). أى : وننصرهم يوم القيامة يوم يقدم الظالمون أعذارهم لكي نعفو عنهم. فلا يقبل منهم عذر واحد ، لأنها أعذار ساقطة. وجاءت في غير وقتها.
ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) لأن المقصود منها واحد. وهو أنهم ليس لهم عذر مقبول حتى يلتفت إليهم ، وإنما عذرهم مرفوض رفضا تاما.
(وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) من الله ـ تعالى ـ ومن عباده المؤمنين (وَلَهُمُ) ـ أيضا ـ (سُوءُ الدَّارِ) وهي جهنم وسوؤها ما يسوء فيها من العذاب ، فالإضافة من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. أى : ولهم الدار السوءى.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٧٢.