وفي هاتين الآيتين ما فيهما من البشارة السارة العظيمة للمؤمنين ومن الإهانة التي ليس بعدها إهانة للكافرين.
ثم ساق ـ سبحانه ـ مثالا من نصره لرسله ولعباده المؤمنين. فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ، هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ).
أى : والله لقد آتينا عبدنا ونبينا موسى ما يهتدى به من المعجزات والصحف والشرائع. وأورثنا من بعده قومه بنى إسرائيل الكتاب وهو التوراة. لكي ينتفعوا بإرشاداته وأحكامه وتوجيهاته.
وفعلنا ما فعلنا من أجل أن يكون ذلك الكتاب هداية وذكرى لأصحاب العقول السليمة فقوله ـ تعالى ـ (هُدىً وَذِكْرى) مفعول لأجله. أو هما مصدران في موضع الحال. أى : وأورثنا بنى إسرائيل الكتاب ، حالة كونه هاديا ومذكرا لأولى الألباب. لأنهم هم الذين ينتفعون بالهدايات. وهم الذين يتذكرون ويعتبرون دون غيرهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآيات الكريمة بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذى أعدائه. فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ..).
أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أننا سننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ..) فاصبر على ما أصابك من أعدائك ، فإن ما وعدك الله ـ تعالى ـ به من النصر ثابت لا شك فيه ، وحق لا باطل معه.
(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) فإن استغفارك هذا وأنت المعصوم من كل ما يغضبنا ـ يجعل أمتك تقتدى بك في ذلك ، وتسير على نهجك في الإكثار من فعل الطاعات.
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أى : وبجانب استغفارك من الذنوب ، أكثر من تسبيح ربك ومن تنزيهه عن كل ما لا يليق به عند حلول الليل ، وعند تباكير الصباح ، فإن هذا الاستغفار ، وذلك التسبيح ، خير زاد للوصول إلى السعادة والفوز في الدنيا والآخرة.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : واعلم أن مجامع الطاعات محصورة في قسمين : التوبة عما لا ينبغي ، والاشتغال بما ينبغي ، والأول مقدم على الثاني بحسب الرتبة الذاتية. فوجب أن يكون مقدما عليه في الذكر ..
أما التوبة عما لا ينبغي ، فنراها في قوله ـ تعالى ـ : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ).
وأما الاشتغال بما ينبغي ، فنراه في قوله ـ تعالى ـ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ).