فالتجئ إلى الله ـ تعالى ـ أيها الرسول الكريم ـ لكي يحفظك من شرورهم وكيدهم ، إنه ـ تعالى ـ هو السميع لكل شيء ، البصير بما ظهر وخفى من شئون عباده.
ثم بين ـ سبحانه ـ للناس من طريق المشاهدة صغر حجمهم بالنسبة إلى بعض خلقه ـ تعالى ـ فيقول : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
أى : لخلق السموات والأرض ابتداء وبدون مثال سابق ، أكبر وأعظم من خلق الناس. ومما لا شك فيه أن من قدر على خلق الأعظم ، فهو على خلق ما هو أقل منه أقدر وأقدر ، ولكن أكثر الناس لاستيلاء الغفلة والهوى عليهم ، لا يعلمون هذه الحقيقة الجلية. وقوله ـ تعالى ـ (أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) إنما هو من باب تقريب الأشياء إلى الفهم. فمن المعروف بين الناس أن معالجة الشيء الكبير أشد من معالجة الشيء الصغير. وإن كان الأمر بالنسبة إلى الله ـ تعالى ـ لا تفاوت بين خلق الكبير وخلق الصغير ، إذ كل شيء خاضع لإرادته كما قال ـ سبحانه ـ : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف اتصل قوله (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..) بما قبله؟.
قلت : إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث. وهو أصل المجادلة ومدارها ، فحجّوا بخلق السموات والأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقهم ، وبأنهما خلق عظيم لا يقادر قدره ، وخلق الناس بالقياس إلى خلقهما شيء قليل ، فمن قدر على خلقهما مع عظمهما. كان على خلق الإنسان مع ضآلته أقدر .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ...) نفى لعدم المساواة بين الأخيار والأشرار. والمتقين والفجار ..
أى : كما أنه لا يصح في عرف أى عاقل المساواة بين الأعمى والبصير. كذلك لا تصح المساواة بين المؤمنين الذين قدموا في دنياهم العمل الصالح ، وبين الكافرين والفاسقين الذين لطخوا حياتهم بالعمل السيئ ، والفعل القبيح ..
ولفظ «قليلا» في قوله ـ تعالى ـ (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) مفعول مطلق ، وهو صفة لموصوف محذوف ، و «ما» مزيدة للتأكيد. أى تذكرا قليلا تتذكرون.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٧٤.