ثم أكد ـ سبحانه ـ مجيء الساعة في الوقت الذي يختاره ـ تعالى ـ فقال : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أى : لا ريب ولا شك في مجيئها في الوقت الذي يشاؤه ـ عزوجل ـ (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بذلك لغفلتهم وقصور نظرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم ..
ثم أمر ـ سبحانه ـ عباده المؤمنين أن يكثروا من التضرع اليه بالدعاء فقال : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...).
أى : وقال ربكم ـ أيها المؤمنون ـ تضرعوا إلى بالدعاء ، وتقربوا إلى بالطاعات ، أستجب لكم ، ولا أخيب لكم رجاء.
ولا تنافى بين تفسير الدعاء هنا بالسؤال والتضرع إلى الله ـ تعالى ـ ، وبين تفسيره بالعبادة ، لأن الدعاء هو لون من العبادة ، بل هو مخها كما جاء في الحديث الشريف.
والإنسان الذي التزم في دعائه الآداب والشروط المطلوبة ، كان دعاؤه جديرا بالإجابة ، فقد حكى لنا القرآن الكريم في آيات كثيرة ، أن الأنبياء والصالحين ، عند ما دعوا الله ـ تعالى ـ أجاب لهم دعاءهم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة الذين يتكبرون عن طاعة الله وعن دعائه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أى : إن الذين يستكبرون عن طاعتي ، وعن التقرب إلى بما يرضيني ، سيدخلون يوم القيامة نار جهنم حالة كونهم أذلاء صاغرين.
فقوله : (داخِرِينَ) من الدخور بمعنى الانقياد والخضوع يقال : دخر فلان يدخر دخورا إذا ذل وهان.
هذا ، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث التي تتصل بموضوع الدعاء فارجع إليه إن شئت (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ مصير الذين يستكبرون عن عبادته ، أتبع ذلك ببيان ألوان من النعم التي أنعم بها على عباده ، كنعمة السماء والأرض ، ونعمة خلق الإنسان ورزقه من
__________________
(١) لمعرفة آداب الدعاء وشروطه وفضله .. راجع كتابنا «الدعاء» طبع مجمع البحوث الإسلامية.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٤٢.