والزراعة .. واغتروا بتلك القشور التي كانوا يسمعونها ممن كانوا يزعمون أنهم على شيء من العلم الديني ، واستهزءوا بما جاءهم به الرسل من علوم تهدى إلى الرشد ، وتدعو إلى إخلاص العبادة لله. واعتقدوا ـ لغبائهم ـ وانطماس بصائرهم ـ أنه لا علم أنفع من علومهم ففرحوا بها ..
ورحم الله صاحب الكشاف فقد فصل القول عند تفسيره لهذه الآية فقال : قوله : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فيه وجوه :
منها : أنه أراد العلم الوارد على سبيل التهكم في قوله ـ تعالى ـ : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لا نبعث ولا نعذب.
ومنه : أن يريد علم الفلاسفة والدهريين عن بنى يونان ، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله : دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.
ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم : علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال ـ تعالى ـ (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات .. لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها ، واعتقدوا أنه لا أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به» (١).
ويبدو لنا أن هذا الرأى الأخير الذي ذكره صاحب الكشاف ، هو أقرب الآراء إلى الصواب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) بيان لما نزل بهم من عذاب بسبب تكذيبهم لرسلهم ، واستهزائهم بهم. أى : ونزل بهؤلاء الكافرين العذاب الأليم بسبب استهزائهم برسلهم ، وإعراضهم عن دعوتهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم عند ما أحاط بهم العذاب فقال : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أى عاينوا عذابنا النازل بهم.
(قالُوا) بفزع وخوف (آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) أى : وكفرنا بما كنا به مشركين في الدنيا من عبادة لغير الله ـ تعالى ـ واعتماد على سواه.
وقد بين ـ سبحانه ـ أن إيمانهم هذا لن ينفعهم لأنه جاء في غير وقته فقال (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ) شيئا من النفع لأنه إيمان جاء عند معاينة العذاب ، والإيمان الذي يدعى في هذا
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٨١.