الأسفار والرحال إلى البلاد النائية ، والأقطار الشاسعة ، والبقر تؤكل ويشرب لبنها ، وتحرث عليها الأرض ، والغنم تؤكل ويشرب لبنها ، والجميع تجز أوبارها وأصوافها وأشعارها. فيتخذ منه الأثاث والثياب والأمتعة ..» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) تعجب من غفلتهم عن هذه الآيات المبثوثة في الكون. والتي تدل جميعها على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته.
ولفظ «أى» منصوب بقوله «تنكرون» وقدم وجوبا لأن له صدر الكلام.
أى : أنه ـ سبحانه ـ في كل وقت وحين يريكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته ، فقولوا لي. أية تلك الآيات تنكرون دلالتها على ذلك.
إنها جميعا تنطق وتصرح بوجوب إخلاص العبادة لله ـ عزوجل ـ فكيف جحدتموها أو غفلتم عنها مع وضوحها؟
فالآية الكريمة توبيخ شديد لأولئك الذين استحبوا العمى على الهدى مع أن كل شيء في هذا الكون يدعوهم إلى الإيمان بالله الواحد القهار.
ثم وبخهم ـ سبحانه ـ مرة أخرى لعدم اتعاظهم بمصارع الغابرين فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ..).
أى : أقبعوا في بيوتهم. فلم يسيروا في أقطار الأرض. فينظروا كيف كانت عاقبة الأمم المكذبة من قبلهم ، كقوم صالح وقوم لوط ، وقوم شعيب وغيرهم.
فالاستفهام للتوبيخ والتأنيب ، والفاء في قوله : (أَفَلَمْ ..) للعطف على مقدر.
ثم فصل ـ سبحانه ـ حال الذين كانوا من قبل كفار مكة فقال : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) أى : في العدد (وَأَشَدَّ قُوَّةً) أى في الأبدان والأجسام (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أى : وكانوا أظهر منهم في العمران والحضارة والغنى.
(فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أى أن هؤلاء الغابرين عند ما حل بهم عذابنا لم تغن عنهم شيئا كثرتهم أو قوتهم أو أموالهم ... بل أخذناهم أخذ عزيز مقتدر في زمن يسير.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف هؤلاء الجاحدين من رسلهم فقال : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ..).
أى : فحين جاء الرسل إلى هؤلاء الجاهلين ، فرحوا بما لديهم من العلوم الدنيوية كالتجارة
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٤٧.