أمرها في المدينة ، ويكون هذا جمعا بين القولين .. (١).
وقال بعض العلماء : قد استدل بعض علماء الأصول بهذه الآية الكريمة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، لأنه ـ تعالى ـ صرح في هذه الآية الكريمة ، بأنهم مشركون ، وأنهم كافرون بالآخرة ، وقد توعدهم ـ سبحانه ـ بالويل على كفرهم بالآخرة ، وعدم إيتائهم الزكاة ، سواء أقلنا إن الزكاة في الآية هي زكاة المال المعروفة ، أو زكاة الأبدان عن طريق فعل الطاعات ، واجتناب المعاصي.
ورجع بعضهم ـ أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأبدان ـ لأن السورة مكية وزكاة المال المعروفة إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة.
وعلى أية حال فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإسلام.
أعنى امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وما دلت عليه هذه الآية من أنهم مخاطبون بذلك ، وأنهم يعذبون على الكفر والمعاصي ، جاء موضحا في آيات أخر كقوله ـ تعالى ـ : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ..) (٢).
وخص ـ سبحانه ـ من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة. لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله للمحتاجين ، فذلك أقوى دليل على استقامته ، وصدق نيته.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) بيان لحسن عاقبة المؤمنين ، بعد بيان سوء عاقبة الكافرين.
أى : إن الذين آمنوا إيمانا حقا وعملوا الأعمال الصالحات ، لهم أجر عظيم غير (مَمْنُونٍ) أى غير مقطوع عنهم ، من مننت الحبل إذا قطعته ، أو غير منقوص عما وعدهم الله به ، أو غير ممنون به عليهم ، بل يعطون ما يعطون من خيرات جزاء أعمالهم الصالحة في الدنيا ، فضلا من الله ـ تعالى ـ وكرما.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يوبخ هؤلاء المشركين على إصرارهم على
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٥٣.
(٢) تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ١١٤ للشيخ محمد أمين الشنقيطى.