وهذه الأقوال التي حكاها القرآن عنهم ، تدل على أنهم قوم قد بلغوا أقصى درجات الجحود والعناد : فقلوبهم قد أغلقت عن إدراك الحق ، وأسماعهم قد صمت عن سماعه ، وأشخاصهم قد أبت الاقتراب من شخص الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي يحمل لهم الخير والنور ، وما حملهم على ذلك إلا اتباعهم للهوى والشيطان.
وصدق الله إذ يقول : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
ثم لقن الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم الجواب الذي يرد به عليهم فقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاحدين : إنما أنا بشر مثلكم في الصفات البشرية أوجدنى الله ـ تعالى ـ بقدرته كما أوجدكم ، وينتهى نسبي ونسبكم إلى آدم ـ عليهالسلام ـ إلا أن الله ـ تعالى ـ قد اختصني بوحيه ورسالته ـ وهو أعلم حيث يجعل رسالته ـ وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم .. هو إله واحد لا شريك له ، فعليكم أن تخلصوا له العبادة والطاعة.
وقوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) أى : فالزموا الاستقامة في طريقكم إليه ـ تعالى ـ بالإيمان به وطاعته والإخلاص في عبادته.
وقوله ـ تعالى ـ : (.. وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) تهديد لهم بسوء المصير إذا استمروا على عنادهم وشركهم.
والويل : لفظ دال على الشر أو الهلاك ، وهو مصدر لا فعل له من لفظه ، والمراد به هنا : الدعاء عليهم بالخزي والهلاك.
أى : فهلاك وخزي وعقاب شديد لهؤلاء المشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة ، أى : لا يؤمنون بها ، ولا يخرجونها إلى مستحقيها ، ولا يعملون على تطهير أنفسهم بأدائها .. وفضلا عن كل ذلك فهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون.
قال ابن كثير : والمراد بالزكاة ها هنا : طهارة النفس من الأخلاق المرذولة ..
وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم ، واختاره ابن جرير ..
وفيه نظر ، لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة ، وهذه الآية مكية. اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الزكاة ـ وهو الصدقة ـ كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين