قال صاحب الكشاف : قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أى لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربي ، لا يلتبس عليهم شيء منه.
فإن قلت : بم يتعلق قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)؟
قلت : يجوز أن يتعلق بتنزيل ، أو بفصلت ، أى : تنزيل من الله لأجلهم. أو فصلت آياته لهم. وأجود أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده ، أى : قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب ؛ لئلا يفرق بين الصلات والصفات .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) بيان لموقف الناس من هذا القرآن المنزل من الرحمن الرحيم.
والمراد بالأكثر هنا : الكافرون الذين لا ينتفعون بهدايات القرآن الكريم.
أى : هذا القرآن أنزلناه إليك لتخرج الناس به من الظلمات إلى النور ، فأعرض أكثرهم عن هداياته لاستحواذ الشيطان عليهم ، فهم لا يسمعون سماع تدبر واتعاظ ، وإنما يسمعون بقلوب قاسية ، وعقول خالية من إدراك معانيه ، ومن الاستجابة له.
ونفى ـ سبحانه ـ سماعهم له ، مع أنهم كانوا يسمعون من الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن أصحابه ، لأنهم لما سمعوه ولم يؤمنوا به .. صار سماعهم بمنزلة عدمه.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أقوالهم التي تدل على توغلهم في الكفر والعناد فقال : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ، والأكنة : جمع كنان وهو الغطاء للشيء. و (وَقْرٌ) الصمم الذي يحول بين الإنسان وبين سماع ما يقال له.
والحجاب : من الحجب بمعنى الستر لأنه يمنع المشاهدة ، ومنه قيل للبواب حاجب ، لأنه يمنع من الدخول.
أى : وقال الكافرون للنبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل تيئيسه من إيمانهم : إن قلوبنا قد كستها أغطية متكاثفة جعلتها لا تفقه ما تقوله لنا ، وما تدعونا إليه ، وإن آذاننا فيها صمم يحول بيننا وبين سماع حديثك ، وإن من بيننا ومن بينك حاجزا غليظا يحجب التواصل والتلاقي بيننا وبينك ، وما دام حالنا وحالك كذلك فاعمل ما شئت فيما يتعلق بدينك ، ونحن من جانبنا سنعمل ما شئنا فيما يتعلق بديننا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٨٤.