واليوم في المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق ، وأريد منه ها هنا الوقت مطلقا ، لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها ، ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف ، ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر ، والأقل أنسب بالمقام .. (١).
قال سعيد بن جبير ـ رضى الله عنه ـ إن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق هذا الكون كله في لحظة ، ولكنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، ليعلم خلقه التثبت والتأنى في الأمور.
وقوله : (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) معطوف على قوله (لَتَكْفُرُونَ) وداخل معه في حكم الإنكار.
والأنداد : جمع ند وهو مثل الشيء يضاده وينافره ويتباعد عنه. وأصله من ند البعير إذا نفر وذهب على وجهه شاردا.
أى : وتجعلون له أمثالا ونظراء تعبدونها من دونه ، وتسمونها ـ زورا وكذبا ـ آلهة ، وجمع ـ سبحانه ـ الأنداد باعتبار واقعهم ، لأنهم كانوا يعبدون آلهة شتى ، فمنهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب.
واسم الإشارة في قوله (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) يعود إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة.
أى : ذلك الموصوف بتلك القدرة الباهرة ، رب العالمين جميعا ، وخالق جميع المخلوقات ، والمتولى لتربيتها دون سواه.
وقوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها ..) معطوف على (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ).
والرواسي : جمع راس من الرسو ـ بفتح الراء وسكون السين ـ بمعنى الثبات والاستقرار في المكان ، يقال : رسا الشيء إذا ثبت واستقر. وهو صفة لموصوف محذوف.
أى : وجعل فيها جبالا رواسى من فوقها ، لكي تستقر وتثبت ، ولا تميد أو تضطرب بكم. وقال ـ تعالى ـ : (مِنْ فَوْقِها) لبيان الواقع ، إذ وجود الجبال من فوق الأرض ، ومشاهدة الإنسان لذلك بعينيه ، يزيده اقتناعا بقدرة الله ـ تعالى ـ الباهرة وحكمته البليغة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ٩٩.