(وَبارَكَ فِيها) أى : وجعلها مباركة زاخرة بأنواع الخيرات والمنافع ، عن طريق الزروع والثمار المبثوثة فوقها ، والمياه التي تخرج من جوفها. والكنوز التي تحصل من باطنها.
(وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) والأقوات : جمع قوت. والمراد بها أرزاق أهل الأرض وما يصلحهم.
أى : وجعل أقوات أهلها التي يحتاجون إليها في معايشهم ومنافعهم ، على مقادير محددة معينة ، بحيث نشر في كل قطر من أقطارها أقواتا تناسب أهله ، وبذلك يتبادل الناس المنافع فيما بينهم ، فيعمر الكون ، ويزيد الاتصال والتعارف فيما بينهم.
قال ابن جرير : بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى هذه الآية : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله ـ تعالى ـ أخبر أنه قدر في الأرض أقوات أهلها ، وذلك ما يقوتهم من الغذاء ، ويصلحهم من المعاش. ولم يخصص ـ جل ثناؤه ـ بقوله (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أنه قدر فيها قوتا دون قوت ، بل عم الخبر عن تقديره جميع الأقوات .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) متعلق بمحذوف يدل ، عليه ما قبله.
أى : خلق الأرض ، وجعل فيه رواسى من فوقها ، وبارك فيها. وقدر فيها أقواتها في تمام أربعة أيام ، فتكون المدة التي خلق فيها الأرض وما عليها أربعة أيام.
وقوله ـ سبحانه ـ : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) تأكيد لما دلت عليه الآية الكريمة من أن خلق كل من الأرض وما فيها وما عليها قد حدث في أربعة أيام.
قال الآلوسى : وقيدت الأيام الأربعة بقوله : (سَواءً) فإنه مصدر مؤكد لمضمر هو صفة الأيام. أى : ـ في أربعة أيام ـ استوت سواء ، أى : استواء.
وقوله ـ تعالى ـ : (لِلسَّائِلِينَ) متعلق بمحذوف وقع خبرا لمبتدأ محذوف ، أى : هذا الحصر في أربعة ، كائن للسائلين عن مدة خلق الأرض ، وما فيها .. (٢).
وقال الجمل في حاشيته : فإن قيل لم جعلت مدة خلق الأرض بما فيها ، ضعف مدة خلق السموات ، مع كون السماء أكبر من الأرض وأكثر مخلوقات وعجائب؟
قلت : للتنبيه على أن الأرض هي المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين ومن كثرة المنافع ، فزادت مدتها ليكون ذلك أدخل في المنة على ساكنيها ، وللاعتناء بشأنهم وشأنها ـ أيضا ـ
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٢٤ ص ٦٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ١٠١.