قال القرطبي : وقوله : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) فيه وجهان : أنه تمثيل لظهور الطاعة منهما ، حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما. ومنه قول الراجز :
امتلأ الحوض وقال قطني |
|
مهلا رويدا ملأت بطني |
يعنى : ظهر ذلك فيه.
وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله ـ تعالى ـ فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد ـ سبحانه ـ (١).
وجمعهما ـ سبحانه ـ جمع من يعقل ، لخطابهما بما يخاطب به العقلاء.
ثم فصل ـ سبحانه ـ بديع صنعه في خلق السموات فقال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ...). أى : ففرغ من خلقهن وتسويتهن على أبدع صورة وأحكم صنع في مقدار يومين.
والضمير في قوله (فَقَضاهُنَ) إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سبع سموات ، وإما مبهم يفسره ما بعده وهو سبع سموات.
وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أى : وأوحى في كل منها ما أراده وما أمر به ، وخلق فيها ما اقتضته حكمته من الملائكة ومن خلق لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه ـ.
وقوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً) أى : وزينا السماء الدنيا أى القريبة منكم ـ بكواكب مضيئة ، وحفظناها حفظا عظيما من الاختلال والاضطراب والسقوط (ذلِكَ) الذي ذكرناه لكم من خلق السموات والأرض ، وخلق ما فيهما.
(تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أى : تقدير الله ـ القاهر ـ لكل شيء. والعليم بما ظهر وبما بطن في هذا الكون.
وقد أخذ العلماء من هذه الآيات الكريمة أن خلق الأرض وما عليها من جبال ومن أقوات للعباد قد تم في أربعة أيام ، وأن خلق السموات كان في يومين فيكون مجموع الأيام التي خلق الله ـ تعالى ـ فيها السموات والأرض وما بينهما ستة أيام.
وقد جاء ذلك في آيات متعددة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) .. (٢).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٣٤٤.
(٢) سورة الأعراف الآية ٥٤.