وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ..) (١).
كما أخذ العلماء منها ـ أيضا ـ : أن خلق الأرض متقدم على خلق السموات بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد حديثه عن خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان.
وبدليل قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (٢).
وعلى هذا الرأى سار جمهور العلماء ، وردوا على من قال بأن خلق السموات متقدم على خلق الأرض ، لأن الله ـ تعالى ـ يقول في سورة النازعات : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أى : بسطها.
ردوا عليهم بما روى عن ابن عباس من أنه سئل عن الجمع بين الآيات التي معنا ، وبين آيات سورة النازعات فقال : إنه ـ تعالى ـ خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغيرهما.
أى : أن أصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها كان بعد خلق السماء ، وردوا عليهم ـ أيضا ـ بأن لفظ «بعد» في قوله ـ تعالى ـ (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) بمعنى مع أى : والأرض مع ذلك بسطها ومهدها لسكنى أهلها فيها. وردوا عليهم ـ أيضا ـ بأنه ـ تعالى ـ لما خلق الأرض غير مدحوة ، وهي أهل لكل ما فيها كان كل ما فيها كأنه قد خلق بالفعل لوجود أصله فيها.
قال بعض العلماء : والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع ، ـ وإن لم يكن موجودا بالفعل ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...).
فقوله : (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أى : بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذي هو أصلكم (٣).
كما أخذ منها العلماء أن وجود هذا الكون ، بتلك الصورة البديعة ، المتمثلة في هذه الأرض
__________________
(١) سورة ق الآية ٣٨.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٩.
(٣) أضواء البيان ج ٧ ص ١٠٢ للشيخ الشنقيطى.