(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ).
الاستفهام في قوله ـ تعالى ـ الذي حكاه عنهم (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) للإنكار والنفي.
أى : لا أحد أقوى منا ، فنحن في استطاعتنا أن ندفع كل عذاب ينزل بنا ، وهذا هو الشعور الكاذب الذي يشعر به الطغاة الجاهلون في كل زمان ومكان.
وقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم وعلى أمثالهم ردا منطقيا حكيما يخرس ألسنتهم فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ، وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
أى : أعموا وصموا عن الحق ، ولم يعلموا أن الله ـ تعالى ـ الذي أوجدهم من العدم ، هو ـ سبحانه ـ أشد منهم قوة وبأسا.
إنهم لغرورهم وجهالاتهم نسوا كل ذلك ، وكانوا بآياتنا الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا يجحدون ، ويعاندون وينكرون الحق الذي جاءتهم به رسلهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما نزل بهم من عذاب بسبب إصرارهم على كفرهم ، وبسبب غرورهم وبطرهم فقال : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...).
ولفظ «صرصرا» من الصر ـ بفتح الصاد ـ وهو شدة الحر ، أو من الصر ـ بكسر الصاد ـ وهو شدة البرد الذي يقبض البدن ، أو من الصرة التي هي الصيحة المزعجة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ...) أى : في صيحة.
ولا مانع من أن تكون هذه الريح التي أرسلها الله ـ تعالى ـ عليهم ، قد اجتمع فيها الصوت الشديد المزعج ، والبرد الشديد القاتل.
وقوله : (نَحِساتٍ) جمع نحسة ـ بفتح النون وكسر الحاء ـ صفة مشبهة من نحس ـ كفرح وكرم ـ ضد سعد.
أى : فأرسلنا على قوم عاد ريحا شديدة الهبوب والصوت ، وشديدة البرودة أو الحرارة في أيام نحسات أو مشئومات نكدات عليهم بسبب إصرارهم على كفرهم وفعلنا ذلك معهم لنذيقهم العذاب المخزى لهم في الحياة الدنيا.
(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أى : أشد خزيا وإهانة لهم من عذاب الدنيا.
(وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أى : وهم لا يجدون أحدا يدفع عنهم هذا العذاب بحال من الأحوال.