أى : أتوهم من كل جانب ، واجتهدوا بهم ، واعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض ، كما حكى الله ـ تعالى ـ عن الشيطان أنه قال : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ...) يعنى لآتينهم من كل جهة ، ولأعملن فيهم كل حيلة.
وعن الحسن : أنذروهم بعذاب الله الدنيوي والأخروى.
وقيل معناه : إذ جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم ، بمعنى أن هودا وصالحا قد أمروهم بالإيمان بهما وبجميع الرسل الذين من قبلهم والذين من بعدهم ، فكأن الرسل جميعا قد جاءوهم (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) حكاية للرد السيئ الذي رد به قوم عاد وثمود على رسلهم.
ومفعول المشيئة محذوف أى : قال هؤلاء الكافرون لرسلهم على سبيل التكذيب لهم ، والتهكم بهم. أنتم لستم رسلا ، ولو شاء الله ـ تعالى ـ أن يرسل إلينا رسلا لأرسل ملائكة ، ومادام الأمر كذلك فإنا بما أرسلتم به ـ أيها الرسل ـ كافرون ، وإلى ما تدعونا إليه مكذبون.
والسبب الذي حمل هؤلاء الجاهلين على هذا القول : زعمهم أن الرسل لا يكونون من البشر ، مع أن كل عقل سليم يؤيد أن الرسول لا يكون إلا من البشر كما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ..).
ثم فصل ـ سبحانه ـ بعد ذلك حال كل فريق منهم ، وبين ما نزل به من عذاب مهين فقال : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ...)
أى. هذا هو قولهم على سبيل الإجمال لرسلهم ، وإليك جانبا من حال قوم عاد ، ومن أقوالهم الباطلة.
إنهم قد استكبروا في الأرض بغير الحق. واغتروا بما بين أيديهم من نعم ، وقالوا على سبيل التباهي والتفاخر والتكبر : من أشد منا قوة.
وقيد استكبارهم في الأرض بأنه بغير الحق. لبيان واقعهم ، حيث كانوا كما وصفهم الله ـ تعالى ـ في آيات أخرى متجبرين متعالين على غيرهم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٩١.