يجتمعون جميعا للحساب ثم يدعون إلى نار جهنم.
والمعنى : واذكر ـ أيها العاقل ـ يوم يحشر أعداء الله جميعا إلى النار ، بعد أن حوسبوا على أعمالهم السيئة (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أى : فهم يحبسون في هذا اليوم العصيب حتى يلحق آخرهم بأولهم ، ويكفون جميعا عن الحركة حتى يقضى الله ـ تعالى ـ بقضائه العادل فيهم.
والتعبير بقوله : (أَعْداءُ اللهِ) يدل على ذمهم ، وعلى أن ما أبهم من عذاب مهين. إنما هو بسبب عداوتهم لله ـ تعالى ـ ولرسله ـ صلوات الله عليهم ـ ، حيث أعرضوا عن الحق الذي جاءهم به الرسل من عند ربهم.
والتعبير بقوله (يُوزَعُونَ) يشعر بأنهم يحبسون ويمنعون عن الحركة بغلظة وزجر.
ثم بين ـ سبحانه ـ أحوالهم عند ما يعرضون على النار فقال : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
والمراد بشهادة هذه الأعضاء عليهم : أنها تنطق ـ بإذن الله ـ تعالى ـ وتخبر بما اجترحوه من سيئات ، وبما فعلوه من قبائح.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : «فإن قلت «ما» في قوله : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) ما هي؟.
قلت : مزيدة للتأكيد ، ومعنى التأكيد فيها : أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ، ولا وجه لأن يخلو منها ...
فإن قلت : كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟.
قلت : الله ـ عزوجل ـ ينطقها ... بأن يخلق فيها كلاما ..
وشهادة الجلود بالملامسة للحرام ، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات. وقيل : المراد بالجلود الجوارح ـ وقيل : هو كناية عن الفروج ..» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما يقوله هؤلاء الكافرون لجوارحهم على سبيل التوبيخ والتعجيب فقال : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ..).
أى : وقال هؤلاء الكافرون لجلودهم التي تشمل جميع جوارحهم بتعجب وذهول : لما ذا شهدتم علينا مع أننا ما دافعنا إلا عنكم. لكي ننقذكم من النار؟.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٩٥.