جاءهم على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خاسرون أو هالكون أو معذبون عذابا شديدا. (وَإِنَّهُ) أى : هذا القرآن الكريم هو الحق الذي جاءهم به صلىاللهعليهوسلم ، لعل هذا التدبر يوصلهم إلى الهداية والرشاد (لَكِتابٌ عَزِيزٌ). أى : لكتاب منيع معصوم بعصمة الله ـ تعالى ـ له من كل تحريف أو تبديل.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى فقال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أى : لا يستطيع الباطل أن يتطرق إليه من أى جهة من الجهات ، لا من جهة لفظه ولا من جهة معناه لأن الله ـ تعالى ـ تكفل بحفظه وصيانته ، كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟
قلت : بلى ، ولكن الله قد تكفل بحمايته عن تعلق الباطل به ، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم ، وإفساد أقاويلهم. فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ، ولا قول مبطل إلا مضمحلا. (١).
وقوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) أى : هذا الكتاب منزل من لدن الله الحكيم في أقواله وأفعاله ، المحمود على ما أسدى لعباده من نعم لا تحصى.
ثم سلى ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من أعدائه فقال : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ).
أى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ من الأقوال الباطلة التي قالها المشركون في حقك ، فإن ما قالوه في شأنك قد قاله السابقون عليهم في حق رسلهم.
فالآية الكريمة من أبلغ الآيات في تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم لأنها كأنها تقول له ، إن ما أصابك من أذى قد أصاب إخوانك ، فاصبر كما صبروا.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا بِهِ ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٢).
ثم علل ـ سبحانه ـ هذه التسلية وهذا التوجيه بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٠٢.
(٢) سورة الذاريات الآيتان ٥٢ ، ٥٣.