ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ..).
أى : من عمل عملا صالحا بأن آمن بالله ، وصدق بما جاء به رسله ، فثمرة عمله الصالح لنفسه.
(وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أى : ومن عمل عملا سيئا ، فضرر هذا العمل واقع عليها وحدها (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أى : وليس ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ بذي ظلم لعباده الذين خلقهم بقدرته ، ورباهم بنعمته.
فقوله (بِظَلَّامٍ) صيغة نسب ـ كثمار وخباز ـ وليس صيغة مبالغة.
قال بعض العلماء ما ملخصه : «وفي هذه الآية وأمثالها سؤال معروف ، وهو أن لفظة «ظلام» فيها صيغة مبالغة. ومعلوم أن نفى المبالغة لا يستلزم نفى أصل الفعل. فقولك ـ مثلا ـ : زيد ليس بقتال للرجال لا ينفى إلا مبالغته في قتلهم ، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.
ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة ـ وهي لفظ ظلام ـ في هذه الآية وأمثالها المراد به نفى الظلم من أصله.
وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها : أن نفى صيغة المبالغة هنا ، قد جاء في آيات كثيرة ما دل على أن المراد به نفى الظلم من أصله ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ..).
ومنها : أن المراد بالنفي في الآية ، نفى نسبة الظلم إليه. لأن صيغة فعال تستعمل مرادا بها النسبة ، فتغنى عن ياء النسب .. كقولهم «لبان» أى : ذو لبن ، ونبال أى صاحب نبل ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ في أواخر هذه السورة الكريمة ، أن علم قيام الساعة إليه ـ تعالى ـ وحده ، وأن الإنسان لا يسأم من طلب المزيد من الخير فإذا مسه الشر يئس وقنط. وأن حكمته ـ تعالى ـ قد اقتضت أن يقيم للناس الأدلة على قدرته ووحدانيته من أنفسهم وعن طريق هذا الكون الذي يعيشون فيه فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) راجع تفسير أضواء للبيان ج ٧ ص ١٤٠ للشيخ الشنقيطى.