أى قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاحدين : أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ وحده ، ثم كفرتم به مع ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإيمان به.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) للنفي والإنكار أى : لا أحد أكثر ضلالا منكم ـ أيها الكافرون ـ بسبب معاداتكم للحق ، وابتعادكم عنه ، ونفوركم منه نفورا شديدا.
والشقاق والمشاقة بمعنى المخالفة والمعاداة. من الشق ـ أى : الجانب ـ فكأن كل واحد من المتعاديين أو المتخالفين : صار في شق غير شق صاحبه.
ووصف ـ سبحانه ـ شقاقهم بالبعد ، للإشارة بأنهم قد بلغوا في هذا الضلال مبلغا كبيرا ، وشوطا بعيدا.
فالآية الكريمة تجهيل لهؤلاء الكافرين ، وحث لهم على التأمل والتدبر.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن حكمته قد اقتضت أن يطلع الناس في كل زمان ومكان على دلائل وحدانيته وقدرته ، وعلى صدق رسوله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغه عنه ، فقال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..).
والمراد بالآيات في قوله (آياتِنا) : الدلائل والبراهين الدالة على وحدانيته ـ سبحانه ـ وعلى صدق رسوله صلىاللهعليهوسلم.
والآفاق : جمع أفق ـ كأعناق جمع عنق ـ وهو الناحية والجهة ، يقال : أفق فلان يأفق ـ كضرب يضرب ـ إذا سار في آفاق الأرض وجهاتها المتعددة.
والمعنى : سنطلع الناس على دلائل وحدانيتنا وقدرتنا في أقطار السموات والأرض ، من شمس وقمر ونجوم ، وليل ونهار ، ورياح وأمطار ، وزرع وثمار ، ورعد وبرق وصواعق ، وجبال وبحار.
سنطلعهم على مظاهر قدرتنا في هذه الأشياء الخارجية التي يرونها بأعينهم ، كما سنطلعهم على آثار قدرتنا في أنفسهم عن طريق ما أودعنا فيهم من حواس وقوى ، وعقل ، وروح ، وعن طريق ما يصيبهم من خير وشر ، ونعمة ونقمة.
ولقد صدق الله ـ تعالى ـ وعده ، ففي كل يوم بل في كل ساعة ، يطلع الناس على أسرار جديدة في هذا الكون الهائل ، وفي أنفسهم .. وكلها تدل على وحدانيته ، ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى صحة دين الإسلام الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) استئناف مسوق لتوبيخ