وقوله : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) بيان لما يجب عليهم أن يفعلوه بعد النهى عما يجب عليهم أن يجتنبوه.
و «أن» في قوله (أَنْ لا تَعْبُدُوا) وفي قوله (وَأَنِ اعْبُدُونِي) مفسرة ، والجملة الثانية معطوفة على الأولى.
أى : لقد عهدت إليكم بأن تتركوا عبادة الشيطان ، وعهدت إليكم أن تعبدونى وحدي دون غيرى.
والإشارة في قوله : (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) تعود إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ.
أى : هذا الذي أمرتكم به من إخلاص العبادة والطاعة لي هو الطريق الواضح المستقيم ، الذي يوصلكم إلى عز الدنيا ، وسعادة الآخرة.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) استئناف مسوق لتأكيد النهى عن طاعة الشيطان. ولتشديد التوبيخ لمن اتبع خطواته.
«وجبلا كثيرا» بمعنى : خلقا كثيرا حتى إنهم لكثرتهم كالجبل العظيم.
ولفظ «جبلّا» قرأه نافع وعاصم ـ بكسر الجيم والباء ، وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي (جِبِلًّا) بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام وجميع القراءات بمعنى واحد. أى : ولقد أغوى الشيطان منكم يا بنى آدم خلقا كثيرا ، فهل عقلتم ذلك ، واتعظتم بما فعله مع كثير من أبناء جنسكم ، وأخلصتم لنا العبادة والطاعة ، واتخذتم الشيطان عدوا لكم كما صرح بعداوتكم. وبالعمل على إغوائكم.
قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ حكاية عنه. (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٢).
وبعد هذا التوبيخ لمن أطاعوا الشيطان ، يقال لهم في النهاية : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
أى : هذه جهنم ماثلة أمام أعينكم أيها الكافرون ، وهي التي كنتم توعدون بها في الدنيا. وكنتم تقابلون ذلك بالسخرية والتكذيب.
__________________
(١) سورة فاطر آية ٦.
(٢) سورة ص الآيتان ٨٢ ، ٨٣.