ـ تعالى ـ وحده دون أن يشاركه في ذلك مشارك ، أو يعاونه معاون. كما يقول القائل : هذا الشيء فعلته بيدي وحدي ، للدلالة على تفرده بفعله.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (لَهُمْ) للإشعار بأن خلق هذه الأنعام إنما حدث لمنفعتهم ومصلحتهم.
وما في قوله (مِمَّا عَمِلَتْ) موصولة. والعائد محذوف. أى : مما عملته أيدينا.
وقوله : (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) بيان لإحدى المنافع المترتبة على خلق هذه الأنعام لهم.
أما المنافع الأخرى فقد جاءت بعد ذلك في قوله : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ ...) أى : وجعلنا هذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، بحيث أصبحت في أيديهم سهلة القيادة ، مطواعة لما يريدونه منها ، يقودونها فتنقاد للصغير والكبير. كما قال القائل :
لقد عظم البعير بغير لبّ |
|
فلم يستغن بالعظم البعير |
يصرّفه الصبى بكل وجه |
|
ويحبسه على الخسف الجرير (١) |
وتضربه الوليدة بالهراوى |
|
فلا غير لديه ولا نكير (٢) |
ففي هذه الجملة الكريمة تذكير لهم بنعمة تسخير الأنعام لهم ، ولو شاء ـ سبحانه ـ لجعلها وحشية بحيث ينفرون منها.
والفاء في قوله : (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) تفريع على ما تقدم وركوب بمعنى مركوب.
أى : وصيرنا هذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، فمنها ما يستعملونه في ركوبهم والانتقال عليها من مكان إلى آخر ، ومنها ما يستعملونه في مآكلهم عن طريق ذبحه.
وفضلا عن كل ذلك ، فإنهم «لهم» في تلك الأنعام «منافع» أخرى غير الركوب وغير الأكل كالانتفاع بها في الحراثة وفي نقل الأثقال ... ولهم فيها ـ أيضا ـ «مشارب» حيث يشربون من ألبانها.
والاستفهام في قوله : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) للتخصيص على الشكر ، أى : فهلا يشكرون الله ـ تعالى ـ على هذه النعم ، ويخلصون له العبادة والطاعة.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقفهم الجحودى من هذه النعم فقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ).
__________________
(١) الجرير. الحبل الذي يربط به البعير.
(٢) فلا غير لديه ولا نكير : أى فلا غيرة لديه ولا إنكار منه لما ينزل به من خسف.