أى : إن هؤلاء الكافرين لم يقابلوا نعمنا عليهم بالشكر ، وإنما قابلوها بالجحود والبطر. فقد تركوا عبادتنا ، واتخذوا من دوننا آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر ، متوهمين أنها تنصرهم عند ما يطلبون نصرها. وراجين أن تدفع عنهم ضرا عند التماس ذلك منها.
وقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ..) دفع لما توهموه من نصرهم ونفى لما توقعوه من نفعهم.
أى : هذه الآلهة المزعومة ، لا يستطيعون نصر هؤلاء الكافرين. لأنهم أعجز من أن ينصروا أنفسهم ، فضلا عن نصرهم لغيرهم.
وقال ـ سبحانه ـ : (لا يَسْتَطِيعُونَ) بالواو والنون على طريقة جمع العقلاء بناء على زعم المشركين أن هذه الأصنام تنفع أو تضر أو تعقل.
والضمير «هم» في قوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يعود إلى المشركين ، والضمير في قوله (لَهُمْ) يعود إلى الآلهة المزعومة.
أى : وهؤلاء الكفار ـ لجهالتهم وانطماس بصائرهم ـ قد صاروا في الدنيا بمنزلة الجند الذين أعدوا أنفسهم لخدمة هذه الآلهة والدفاع عنها. والحضور عندها لخدمتها ، ورعايتها وحفظها.
ويرى بعضهم أن الضمير «هم» للآلهة ، والضمير في «لهم» للمشركين ، عكس القول الأول ، فيكون المعنى : وهؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر المشركين وهم أى الآلهة ـ «لهم» أى : للمشركين ، «جند محضرون» أى : جند محضرون معهم إلى النار ، ليلقوا فيها كما يلقى الذين عبدوهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) للإفصاح. أى : إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم من الجهالة والغفلة ، فأعرض عنهم ، ولا تحزن عليهم ، ولا تبال بأقوالهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) تعليل للنهى عن الحزن بسبب أقوالهم. أى لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ بسبب أقوالهم الباطلة ، فإنا نعلم علما تاما ما يسرونه من حقد عليك ، وما يعلنونه من أعمال قبيحة ، وسنعاقبهم على كل ذلك العقاب الذي يستحقونه.
فالآية الكريمة تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما كان يلقاه من هؤلاء المشركين.