الذي يخرج من الرجل فيصب في رحم المرأة ، وأن من أوجده من هذا الماء قادر على أن يعيده إلى الحياة بعد الموت.
لقد كان من الواجب عليه أن يدرك ذلك ، ولكنه لغفلته وعناده ، بادر بالمبالغة في الخصومة والجدل الباطل. وجاهر بذلك مجاهرة واضحة ، مع علمه بأصل خلقته.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث ، بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به ... والهمزة للإنكار والتعجب من أحوالهم ، وإيراد الإنسان مورد الضمير ، لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان. والمراد بالإنسان الجنس. والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا.
وقوله : (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) عطف على الجملة المنفية ، داخل في حيز الإنكار والتعجب كأنه قيل : أو لم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ، فأظهر الخصومة في أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة ...» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) معطوف على الكلام المتقدم ، وداخل في حيز الإنكار.
أى : أن هذا الإنسان الجاهل المجادل بالباطل ، لم يكتف بذلك ، بل ضرب لنا مثلا هو في غاية الغرابة ، حيث أنكر قدرتنا على إحياء الموتى ، وعلى بعثهم يوم القيامة ، فقال : ـ دون أن يفطن إلى أصل خلقته ـ من يحيى العظام وهي رميم ، أى : وهي بالية أشد البلى. فرميم بزنة فعيل بمعنى فاعل. من رمّ اللازم بمعنى بلى ، أو بمعنى مفعول ، من رم المتعدى بمعنى أبلى. يقال : رمه إذا أبلاه. فيستوى فيه المذكر والمؤنث.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم سمى قوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) مثلا؟
قلت : لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهي إنكار قدرة الله ـ تعالى ـ على إحياء الموتى .. مع أن ما أنكر من قبيل ما يوصف الله ـ تعالى ـ بالقدرة عليه ، بدليل النشأة الأولى .. (٢).
ثم لقن الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم الجواب الذي يخرس ألسنة المنكرين للبعث فقال : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ...
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٥٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٠.