أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاهلين المنكرين لإعادة الحياة إلى الأجساد بعد موتها ، قل لهم : يحيى هذه الأجسام والأجساد البالية ، الله ـ تعالى ـ الذي أوجدها من العدم دون أن تكون شيئا مذكورا ، ومن قدر على إيجاد الشيء من العدم قادر من باب أولى على إعادته بعد هلاكه. وهو ـ سبحانه ـ بكل شيء في هذا الوجود عليم علما تاما ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، سواء أكان هذا الشيء صغيرا أم كبيرا ، مجموعا أم مفرقا.
قال الشوكانى : وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة ـ أى أنها بعد الموت تكون نجسة.
وقال الشافعى : لا تحله الحياة ، وأن المراد بقوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ) من يحيى أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف. ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) دليل آخر على إمكانية البعث وهو بدل من قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ...).
والمراد بالشجر الأخضر : الشجر النّدى الرطب ، كشجر المرخ والعفار وهما نباتان أخضران إذا ضرب أحدهما بالآخر اتقدت منهما شرارة نار بقدرة الله ـ تعالى ـ.
قال ابن كثير ؛ المراد بذلك سرح ـ أى : شجر المرخ والعفار. ينبت بأرض الحجاز فيأتى من أراد قدح نار وليس معه زناد ، فيأخذ منه عودين أخضرين ، ويقدح أحدهما بالآخر ، فتتولد النار من بينهما ، كالزناد سواء سواء.
روى هذا عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وفي المثل : «لكل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار» (٢).
أى : لكل شجر حظ من النار ، ولكن أكثر الأشجار حظا من النار : المرخ والعفار. فهو مثل يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المنكرين للبعث ، يحيى الأجساد البالية الله ـ تعالى ـ الذي أنشأها أول مرة ، والذي جعل لكم ـ بفضله ورحمته وقدرته ـ من الشجر الأخضر الرطب نارا ، فإذا أنتم من هذا الشجر الأخضر توقدون النار. وتنتفعون بها في كثير
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٣٨٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٨١.