لا تستفتهم فإنهم معاندون ، بل انظر إلى تفاوت حالك وحالهم (١).
أى : بل عجبت ـ أيها الرسول الكريم ـ ومن حقك أن تعجب ، من إنكار هؤلاء الجاحدين لإمكانية البعث ، مع هذه الأدلة الساطعة التي سقناها لهم على أن البعث حق.
وجملة «يسخرون» حالية. أى : والحال أنهم يسخرون من تعجبك ومن إنكارك عليهم ذلك ، ومن إيمانك العميق بهذه الحقيقة ، حتى إنك لترددها على مسامعهم صباح مساء.
قال الآلوسى : وقرأ حمزة والكسائي : (بَلْ عَجِبْتَ) ـ بضم التاء ـ .. وأولت هذه القراءة بأن ذلك من باب الفرض ، أى : لو كان العجب مما يجوز علىّ لعجبت من هذه الحال.
ثم قال : والذي يقتضيه كلام السلف أن العجب فينا انفعال يحصل للنفس عند الجهل للسبب ، ولذا قيل : إذا ظهر السبب بطل العجب ، وهو في الله ـ تعالى ـ بمعنى يليق لذاته ـ تعالى ـ وهو ـ سبحانه ـ أعلم به ، فلا يعينون معناه (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ. وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) بيان لشدة تماديهم في الباطل ، وإصرارهم عليه.
أى : أن هؤلاء القوم من دأبهم ومن صفاتهم الملازمة لهم ، أنهم إذا وعظوا بما ينفعهم لا يتعظون ، وإذا رأوا آية واضحة في دلالتها على الحق (يَسْتَسْخِرُونَ) أى : يبالغون في السخرية وفي الاستهزاء بها ، يقال : استسخر القوم من الشيء ، إذا استدعى بعضهم بعضا للاستهزاء به.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم لا يكتفون بالسخرية ، بل قالوا أقوالا تدل على جحودهم وجهلهم ، فقال ـ تعالى ـ (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
أى : وقالوا ـ على سبيل الجحود والعناد ـ ما هذا الذي أتانا به محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلا سحر واضح بين ، ولا يشك أحد منا في كونه كذلك.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ).
أى : أنهم لم يكتفوا بقولهم : إن ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم سحر واضح ، بل أضافوا إلى ذلك على سبيل المبالغة في الإنكار لما جاءهم به قولهم : أإذا متنا وانتهت حياتنا ووضعنا في قبورنا ، وصرنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ومعادون إلى الحياة مرة أخرى؟ وهل آباؤنا الأولون الذين صاروا من قبلنا عظاما ورفاتا يبعثون أيضا؟.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٣٢.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٧٧.