من عبيدهم ، بل هو الغنيّ المطلق الرازق المعطي. وقيل : المعنى : ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ، ولا يطعموا أحدا من خلقي ولا يطعموا أنفسهم ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله ، فمن أطعم عيال الله فهو كمن أطعمه. وهذا كما ورد في قوله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عبدي استطعمتك فلم تطعمني» أي : لم تطعم عبادي ، و «من» في قوله : (مِنْ رِزْقٍ) زائدة لتأكيد العموم. ثم بيّن سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره ، فقال : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لا رزّاق سواه ولا معطي غيره ، فهو الّذي يرزق مخلوقاته ، ويقوم بما يصلحهم ، فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق ، أو لذو ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر. قرأ الجمهور : (الرَّزَّاقُ) وقرأ ابن محيصن : «الرزاق» وقرأ الجمهور : (الْمَتِينُ) بالرفع ، وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش بالجرّ صفة للقوة ، والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي. قال الفراء : كان حقه المتينة ، فذكّرها لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل ، يقال : حبل متين ، أي : محكم الفتل ، ومعنى المتين : الشديد القوّة هنا (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي : ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي ، فإن لهم ذنوبا ، أي : نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة. قال ابن الأعرابي : يقال يوم ذنوب ، أي : طويل الشرّ لا ينقضي ، وأصل الذّنوب في اللغة الدلو العظيمة ، ومن استعمال الذنوب في النصب من الشيء قول الشاعر (١) :
لعمرك والمنايا طارقات |
|
لكلّ بني أب منها ذنوب |
وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير ، فهو تمثيل ، جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب ، قاله ابن قتيبة (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي : لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب ، كما في قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢). (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) قيل : هو يوم القيامة ، وقيل : يوم بدر ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) عن ابن عباس قال : بقومه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عنه في قوله : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال : الشديدة التي لا تلقح شيئا. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب ، وفي قوله : (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال : كالشيء الهالك. وأخرج الفريابي وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال : الريح : العقيم النكباء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) قال : بقوة. وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر في قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال : أمره الله أن يتولّى عنهم ليعذبهم ، وعذر محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) فنسختها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
__________________
(١). هو أبو ذؤيب.
(٢). الأعراف : ٧٠.