نُورَنا) (١) فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا» وفي الباب أحاديث وآثار. وأخرج عبد بن حميد عن عبادة بن الصامت : أنه كان على سور بيت المقدس فبكى ، فقيل له : ما يبكيك؟ فقال : هاهنا أخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى جهنم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن السور الّذي ذكره الله في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) هو السور الّذي ببيت المقدس الشرقي (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) المسجد (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني وادي جهنم وما يليه.
ولا يخفاك أن تفسير السّور المذكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيه من الإشكال ما لا يدفعه مقال ، ولا سيما بعد زيادة قوله : «باطنه فيه الرحمة» : المسجد ، فإن هذا غير ما سيقت له الآية وغير ما دلّت عليه ، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين؟ وأيّ معنى لذكر مسجد بيت المقدس هاهنا؟ فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ، ويجعله في الدار الآخرة سورا مضروبا بين المؤمنين والمنافقين ، فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد ، وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد ، ويجعل المنافقين خارجه ، فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس ، فإن كان مثل هذا التفسير ثابتا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبلناه وآمنّا به ، وإلا فلا كرامة ولا قبول. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله : (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) قال : بالشهوات واللذات (وَتَرَبَّصْتُمْ) قال : بالتوبة (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) قال : الموت (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) قال : الشيطان.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩))
قوله : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) يقال : أنى لك يأني إنى ؛ إذا حان ، قرأ الجمهور : «ألم يأن» وقرأ الحسن وأبو السّمّال «ألمّا يأن» وأنشد ابن السكيت :
ألمّا يئن لي أن تجلّى عمايتي |
|
وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا |
و (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) فاعل يأن ، أي : ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته ، ومنه قول الشاعر :
__________________
(١). التحريم : ٨.