يوسّع الله لكم في الجنة ، أو في كلّ ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق وغير هما ، قرأ الجمهور : «تفسّحوا في المجلس» وقرأ السلمي وزرّ بن حبيش وعاصم (فِي الْمَجالِسِ) على الجمع ؛ لأنّ لكلّ واحد منهم مجلسا ، وقرأ قتادة والحسن وداود بن أبي هند وعيسى بن عمر «تفاسحوا». قال الواحدي : والوجه التوحيد في المجلس ، لأنه يعني به مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم. وقال القرطبي : الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر ؛ سواء كان مجلس حرب ، أو ذكر ، أو يوم الجمعة ، فإن كل واحد أحق بمكانه الّذي سبق إليه ، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذّ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه ، ويؤيد هذا : حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وغير هما عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه» ، [وعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر] (١) ولكن تفسّحوا وتوسّعوا». (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) قرأ الجمهور بكسر الشين فيها ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضمّها فيهما ، وهما لغتان بمعنى واحد ، يقال : نشز ، أي : ارتفع ، ينشز وينشز ، كعكف يعكف ويعكف ، والمعنى : إذا قيل لكم انهضوا فانهضوا. قال جمهور المفسرين : أي : انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير. وقال مجاهد والضحاك وعكرمة : كان رجال يتثاقلون عن الصلاة ، فقيل لهم : إذا نودي للصلاة فانهضوا. وقال الحسن : انهضوا إلى الحرب. وقال ابن زيد : هذا في بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال الله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) عن النبي صلىاللهعليهوسلم (فَانْشُزُوا) فإن له حوائج فلا تمكثوا. وقال قتادة : المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف ، والظاهر حمل الآية على العموم ؛ والمعنى : إذا قيل لكم : انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية فانهضوا ولا تتثاقلوا ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصا ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق ، ويندرج ما هو سبب النزول فيها اندراجا أوّليا ، وهكذا يندرج ما فيه السياق وهو التفسيح في المجلس اندراجا أوّليا ، وقد قدّمنا أن معنى نشر ارتفع ، وهكذا يقال نشز ينشز ؛ إذا تنحى عن موضعه ، ومنه امرأة ناشز ، أي : متنحية عن زوجها ، وأصله مأخوذ من النشز ، وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى ، ذكر معناه النحاس (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي : ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة ، ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات ، فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات ، وقيل : المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك الذين أوتوا العلم ، وقيل : المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرءوا القرآن. والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملّة ، ولا دليل يدلّ على تخصيص الآية بالبعض دون البعض ، وفي هذه الآية فضيلة عظيمة للعلم وأهله ، وقد دلّ على فضله وفضلهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
__________________
(١). من تفسير القرطبي (١٧ / ٢٩٨)