(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح له ، أي : يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وشاقّهما ، وجملة «يوادون» في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعديا إلى مفعولين ، أو في محل نصب على الحال إن كان متعديا إلى مفعول واحد ، أو صفة أخرى ل «قوما» ، أي : جامعون بين الإيمان والموادة لمن حادّ الله ورسوله (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي : ولو كان المحادّون لله ورسوله آباء الموادّين إلخ ، فإن الإيمان يزجر عن ذلك ويمنع منه ، ورعايته أقوى من رعاية الأبوّة والبنوّة والأخوّة والعشيرة (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) يعني الّذي لا يوادون من حاد الله ورسوله ، ومعنى (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) خلقه ، وقيل : أثبته ، وقيل : جعله ، وقيل : جمعه ، والمعاني متقاربة (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي : قوّاهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا ، وسمّي نصره لهم روحا لأن به يحيا أمرهم ، وقيل : هو نور القلب. وقال الربيع بن أنس : بالقرآن والحجة ، وقيل : بجبريل ، وقيل : بالإيمان ، وقيل : برحمة. قرأ الجمهور «كتب» مبنيا للفاعل ونصب الإيمان على المفعولية. وقرأ زرّ بن حبيش والمفضّل عن عاصم على البناء للمفعول ورفع الإيمان على النيابة. وقرأ زرّ بن حبيش : «عشيراتهم» بالجمع ، ورويت هذه القراءة عن عاصم (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) على الأبد (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) أي : قبل أعمالهم ، وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة (وَرَضُوا عَنْهُ) أي : فرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) أي : جنده الذين يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه ، وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم وتكريم فخيم (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة ، الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل ، حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم ك : لا فلاح.
وقد أخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا في ظل حجرة من حجره ، وعنده نفر من المسلمين ، فقال : إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان ، فإذا جاءكم فلا تكلّموه ، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق ، فقال حين رآه : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال : ذرني آتيك بهم ، فحلفوا واعتذروا ، فأنزل الله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) الآية والتي بعدها». وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في سننه ، عن عبد الله بن شوذب قال : جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتقصّاه ، لأبي عبيدة ، يوم بدر ، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله ، فنزلت : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية.
* * *