ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به ، أي : كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق ، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سببا للكفر توبيخا لهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) الجملة مستأنفة لبيان كفرهم ، أو في محل نصب على الحال ، وقوله : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) تعليل للإخراج ، أي : يخرجونكم لأجل إيمانكم ، أو كراهة أن تؤمنوا (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) جواب الشرط محذوف : إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودّة ، أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء ، وانتصاب جهادا وابتغاء على العلة : أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي ، وجملة : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) مستأنفة للتقريع والتوبيخ ، أي : تسرّون إليهم الأخبار بسبب المودّة ، وقيل : هي بدل من قوله : «تلقون». ثم أخبر بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء ، فقال : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) والجملة في محل نصب على الحال ، أي : بما أضمرتم وما أظهرتم ، والباء في «بما» زائدة. يقال : علمت كذا وعلمت بكذا ، هذا على أن «أعلم» مضارع ، وقيل : هو أفعل تفضيل ، أي : أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي : من يفعل ذلك الاتّخاذ لعدوّي وعدوّكم أولياء ، ويلقي إليهم بالمودّة ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب ، وضلّ عن قصد السبيل (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أي : إن يلقوكم ويصادفوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ، ومنه المثاقفة : وهي طلب مصادفة الغرّة في المسايفة ، وقيل : المعنى : إن يظفروا بكم ويتمكّنوا منكم ، والمعنيان متقاربان (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي : يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه ، وألسنتهم بالشتم ونحوه (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) هذا معطوف على جواب الشرط ، أو على جملة الشرط والجزاء ، ورجّح هذا أبو حيان. والمعنى : أنهم تمنّوا ارتدادهم وودّوا رجوعهم إلى الكفر (١) (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) أي : لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد ، وخصّهم بالذّكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنوّ عليهم ، والمعنى : أن هؤلاء لا ينفعونكم حين توالوا الكفار لأجلهم ؛ كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، بل الّذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم. وجملة (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ، ومعنى (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) يفرّق بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معصيته النار. وقيل : المراد بالفصل بينهم أنه يفرّ كلّ منهم من الآخر من شدّة الهول ، كما في قوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٢) الآية. قيل : ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله ، أي : لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه ، ويبتدأ بقوله : (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم ، فهو مجازيكم على ذلك. قرأ الجمهور : (يَفْصِلُ) بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد.
__________________
(١). المقصود أن الكافرين تمنوا ارتداد المؤمنين عن الحق ورجوعهم إلى الكفر.
(٢). عبس : ٣٤.