فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))
قوله : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) تبارك : تفاعل من البركة ، والبركة : النماء والزيادة ، وقيل : تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين ، وقيل : دام فهو الدائم الّذي لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه. وقال الحسن : تبارك : تقدّس ، وصيغة التفاعل للمبالغة ، واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء ، والملك : هو ملك السّماوات والأرض في الدنيا والآخرة ، فهو يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء ، ويرفع من يشاء ويضع من يشاء ، وقيل : المراد بالملك ملك النبوّة ، والأوّل أولى ؛ لأنّ الحمل على العموم أكثر مدحا وأبلغ ثناء ، ولا وجه للتخصيص (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : بليغ القدرة ، لا يعجزه شيء من الأشياء ، يتصرّف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ، ورفع ووضع ، وإعطاء ومنع (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) الموت : انقطاع تعلّق الروح بالبدن ومفارقته له ، والحياة : تعلّق الروح بالبدن واتصاله به ، وقيل : هي ما يصحّ بوجوده الإحساس ، وقيل : ما يوجب كون الشيء حيا ، وقيل : المراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة. وقدّم الموت على الحياة ؛ لأن أصل الأشياء عدم الحياة ، والحياة عارضة لها ، وقيل : لأن الموت أقرب إلى القهر. وقال مقاتل : (خَلَقَ الْمَوْتَ) يعني النطفة والمضغة والعلقة ، (وَالْحَياةَ) يعني خلقه إنسانا وخلق الروح فيه ، وقيل : خلق الموت على صورة كبش لا يمرّ على شيء إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس لا تمر بشيء إلا حيي ، قاله مقاتل والكلبي. وقد ورد في التنزيل : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (١) وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) (٢) وقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٣) وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٤) وغير ذلك من الآيات. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) اللام متعلقة بخلق ، أي : خلق الموت والحياة ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا ، فيجازيكم على ذلك ، وقيل : المعنى : ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا وأشدّ منه خوفا ، وقيل : أيكم أسرع إلى طاعة الله ، وأورع عن محارم الله. وقال الزجاج : اللام متعلق بخلق الحياة ، لا بخلق الموت ، وقال الزجاج أيضا والفراء : أن قوله : «ليبلوكم» لم يقع على أيّ ؛ لأن فيما بين البلوى وأيّ إضمار فعل ، كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ، ومثله قوله : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٥) أي : سلهم ثم انظر أيهم ، فأيكم في الآية مبتدأ وخبره أحسن ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : الغالب الّذي لا يغالب (الْغَفُورُ) لمن تاب وأناب (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) الموصول يجوز أن يكون تابعا للعزيز الغفور نعتا أو بيانا أو بدلا ، وأن يكون منقطعا عنه على أنه خبر مبتدأ
__________________
(١). السجدة : ١١.
(٢). الأنفال : ٥٠.
(٣). الأنعام : ٦١.
(٤). الزمر : ٤٢.
(٥). القلم : ٤٠.