محذوف ، أو منصوب على المدح ، وطباقا صفة لسبع سماوات ، أي : بعضها فوق بعض ، وهو جمع طبق ، نحو جبل وجبال ، أو جمع طبقة ، نحو رحبة ورحاب ، أو مصدر طابق ، يقال : طابق مطابقة وطباقا ، ويكون على هذا الوجه الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف ، أي : ذات طباق ، ويجوز أن يكون منتصبا على المصدرية بفعل محذوف ، أي : طوبقت طباقا (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) هذه الجملة صفة ثانية لسبع سماوات ، أو مستأنفة لتقرير ما قبلها ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح له ، ومن مزيدة لتأكيد النفي. قرأ الجمهور : «من تفاوت» ، وقرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائي «تفوّت» مشدّدا بدون ألف ، وهما لغتان ، كالتعاهد والتعهّد ، والتحامل والتحمّل ؛ والمعنى على القراءتين : ما ترى في خلق الرّحمن من تناقض ولا تباين ولا اعوجاج ولا تخالف ، بل هي مستوية مستقيمة دالّة على خالقها ، وإن اختلفت صورها وصفاتها فقد اتفقت من هذه الحيثية (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) الفطور : الشقوق والصدوع والخروق ، أي : اردد طرفك حتى يتّضح لك ذلك بالمعاينة. أخبر أوّلا بأنه لا تفاوت في خلقه ، ثم أمر ثانيا بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة. قال مجاهد والضحاك : الفطور والشقوق جمع فطر ، وهو الشق. وقال قتادة : هل ترى من خلل. وقال السدي : هل ترى من خروق ، وأصله من التفطر والانفطار ، وهو التشقق والانشقاق ، ومنه قول الشاعر :
بنى لكم بلا عمد سماء |
|
وزيّنها فما فيها فطور |
وقول الآخر
شققت القلب ثم ذررت فيه |
|
هواك فليم فالتأم الفطور |
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أي : رجعتين مرّة بعد مرّة ، وانتصابه على المصدر ، والمراد بالتثنية التكثير ، كما في لبيك وسعديك ، أي : رجعة بعد رجعة وإن كثرت. ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية. ولهذا قال أوّلا : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) ثم قال ثانيا : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) ثم قال ثالثا : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة وأقطع للمعذرة (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) أي : يرجع إليك البصر ذليلا صاغرا عن أن يرى شيئا من ذلك ، وقيل : معنى خاسئا : مبعدا مطرودا عن أن يبصر ما التمسه من العيب ، يقال : خسأت الكلب ، أي : أبعدته وطردته. قرأ الجمهور : «ينقلب» بالجزم جوابا للأمر. وقرأ الكسائي في رواية بالرفع على الاستئناف (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي : كليل منقطع. قال الزجاج : أي : وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا ، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور ، وهو الإعياء ، يقال : حسر بصره يحسر حسورا ، أي : كلّ وانقطع ، ومنه قول الشاعر :
نظرت إليها بالمحصّب من منى |
|
فعاد إليّ الطّرف وهو حسير |
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) بيّن سبحانه بعد خلق السماوات ، وخلوّها من العيب والخلل ؛