«تمايز» بالألف وتاء واحدة ، والأصل تتمايز ، وقرأ زيد بن عليّ «تميز» من ماز يميز ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو في محل رفع على أنها خبر آخر لمبتدأ ، وجملة (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) مستأنفة لبيان حال أهلها ، أو في محل نصب على الحال من فاعل تميز ، والفوج : الجماعة من الناس ، أي : كلما ألقي في جهنم جماعة من الكفار سألهم خزنتها من الملائكة سؤال توبيخ وتقريع (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) في الدنيا (نَذِيرٌ) ينذركم هذا اليوم ويحذركم منه؟ وجملة (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قالوا بعد هذا السؤال؟ فقال : (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) فأنذرنا وخوّفنا وأخبرنا بهذا اليوم (فَكَذَّبْنا) ذلك النذير (وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء على ألسنتكم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) أي : في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب ، والمعنى أنه : قال كلّ فوج من تلك الأفواج حاكيا لخزنة جهنم ما قاله لمن أرسل إليه : ما أنتم أيها الرسل فيم تدّعون أن الله نزل عليكم آيات تنذرونا بها إلا في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب كبير لا يقادر قدره. ثم حكى عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة فقال : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) أي : لو كنا نسمع ما خاطبنا به الرسل ، أو نعقل شيئا من ذلك ما كنّا في عداد أهل النار ، ومن جملة من يعذّب بالسعير ، وهم الشياطين كما سلف. قال الزجاج : لو كنا نسمع سمع من يعي ، أو نعقل عقل من يميز ، وينظر ، ما كنّا من أهل النار ، فلما اعترفوا هذا الاعتراف قال الله سبحانه : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) الّذي استحقوا به عذاب النار ، وهو الكفر وتكذيب الأنبياء (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) أي : فبعدا لهم من الله ومن رحمته. وقال سعيد بن جبير وأبو صالح : هو واد في جهنم يقال له السّحق. قرأ الجمهور : «فسحقا» بإسكان الحاء. وقرأ الكسائي وأبو جعفر بضمها ، وهما لغتان ، مثل السّحت والرّعب. قال الزجاج وأبو عليّ الفارسي : فسحقا منصوب على المصدر ، أي : أسحقهم الله سحقا. قال أبو عليّ الفارسي : وكان القياس إسحاقا فجاء المصدر على الحذف ، واللام في (لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) للبيان كما في : (هَيْتَ لَكَ) (١).
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله : (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) قال : بعضها فوق بعض. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) قال : ما تفوت بعضه بعضا تفاوتا مفرقا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا في قوله : (مِنْ تَفاوُتٍ) قال : من تشقق ، وفي قوله : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) قال : شقوق ، وفي قوله : (خاسِئاً) قال : ذليلا (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل. وأخرج ابن جرير عنه أيضا. قال : الفطور : الوهي. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا : (مِنْ فُطُورٍ) قال : من تشقّق أو خلل ، وفي قوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ) قال : يرجع إليك (خاسِئاً) صاغرا (وَهُوَ حَسِيرٌ) قال : يعيى ولا يرى شيئا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (خاسِئاً) قال : ذليلا (وَهُوَ حَسِيرٌ) قال : عييّ مرتجع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس
__________________
(١). يوسف : ٢٣.