(تَكادُ تَمَيَّزُ) قال : تتفرّق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (تَكادُ تَمَيَّزُ) قال : يفارق بعضها بعضا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا : (فَسُحْقاً) قال : بعدا.
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار ذكر أهل الجنة ، و «بالغيب» حال من الفاعل أو المفعول ، أي : غائبين عنه ، أو غائبا عنهم ، والمعنى : أنهم يخشون عذابه ولم يروه فيؤمنون به خوفا من عذابه ، ويجوز أن يكون المعنى : يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس وذلك في خلواتهم ، أو المراد بالغيب كون العذاب غائبا عنهم لأنهم في الدنيا ، وهو إنما يكون يوم القيامة فتكون الباء على هذا سببية (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهو الجنة ، ومثل هذه الآية قوله : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) (١). ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الإسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه ، والمعنى : إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكلّ ذلك يعلمه الله ، لا تخفى عليه منه خافية ، وجملة : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل للاستواء المذكور ، وذات الصدور هي مضمرات القلوب ، والاستفهام في قوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) للإنكار ، والمعنى : ألا يعلم السرّ ومضمرات القلوب من خلق ذلك وأوجده ، فالموصول عبارة عن الخالق ، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق ، وفي «يعلم» ضمير يعود إلى الله ، أي : ألا يعلم الله المخلوق الّذي هو من جملة خلقه ، فإن الإسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه ، وجملة (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) في محل نصب على الحال من فاعل يعلم ، أي : الّذي لطف علمه بما في القلوب ، الخبير بما تسرّه وتضمره من الأمور ، لا تخفى عليه من ذلك خافية. ثم امتنّ سبحانه على عباده فقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي : سهلة لينة تستقرّون عليها ، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها ، والذلول في الأصل : هو المنقاد الّذي يذلّ لك ولا يستصعب عليك ، والمصدر الذّل ، والفاء في قوله : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور ، والأمر للإباحة. قال مجاهد والكلبي ومقاتل : مناكبها : طرقها وأطرافها وجوانبها. وقال قتادة وشهر بن
__________________
(١). ق : ٣٣.