الرَّحْمنِ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والمعنى أنه لا جند لكم يمنعكم من عذاب الله ، والجند : الحزب والمنعة. قرأ الجمهور : «أمّن» هذا بتشديد الميم على إدغام ميم أم في ميم من ، وأم بمعنى بل ، ولا سبيل إلى تقدير الهمزة بعدها كما هو الغالب في تقدير أم المنقطعة ببل والهمزة ، لأن بعدها هنا من الاستفهامية فأغنت عن ذلك التقدير ، ومن الاستفهامية مبتدأ ، واسم الإشارة خبره ، والموصول مع صلته صفة اسم الإشارة ، وينصركم صفة لجند ، ومن دون الرّحمن في محل نصب على الحال من فاعل ينصركم ، والمعنى : بل من هذا الحقير الّذي هو في زعمكم جند لكم متجاوزا نصر الرّحمن. وقرأ طلحة بن مصرّف بتخفيف الأولى وتثقيل الثانية ، وجملة (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) معترضة مقرّرة لما قبلها ، ناعية عليهم ما هم فيه من الضلال ، والمعنى : ما الكافرون إلا في غرور عظيم من جهة الشيطان يغرّهم به (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) الكلام في هذا كالكلام في الّذي قبله قراءة وإعرابا ، أي : من الّذي يدرّ عليكم الأرزاق من المطر وغيره إن أمسك الله ذلك عنكم ومنعه عليكم (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي : لم يتأثروا لذلك ، بل تمادوا في عناد واستكبار عن الحقّ ونفور عنه ، ولم يعتبروا ، ولا تفكروا ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي : إن أمسك رزقه فمن يرزقكم غيره ، والعتوّ : العناد والطغيان ، والنفور : الشرود.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) قال : أبو بكر وعمر وعليّ وأبو عبيدة بن الجراح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : (فِي مَناكِبِها) قال : جبالها. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : أطرافها. وأخرج الطبراني وابن عدي ، والبيهقي في الشعب ، والحكيم الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يحبّ العبد المؤمن المحترف». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) قال : في ضلال.
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))
ضرب سبحانه مثلا للمشرك والموحّد لإيضاح حالهما وبيان مآلهما ، فقال : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى) والمكبّ والمنكبّ : الساقط على وجهه ، يقال : كببته فأكبّ وانكبّ ، وقيل : هو الّذي يكب رأسه فلا ينظر يمينا ولا شمالا ولا أماما ، فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه. وقيل : أراد به الأعمى الّذي لا يهتدي إلى الطريق فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه. قال قتادة : هو الكافر يكبّ على معاصي