الله في الدنيا فيحشره الله يوم القيامة على وجهه. والهمزة للاستفهام الإنكاري ، أي : هل هذا الّذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الّذي يريده (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) معتدلا ناظرا إلى ما بين يديه (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : على طريق مستو لا اعوجاج به ولا انحراف فيه ، وخبر «من» محذوف لدلالة خبر «من» الأولى وهو «أهدى» عليه ، وقيل : لا حاجة إلى ذلك ، لأن «من» الثانية معطوفة على «من» الأولى عطف المفرد ، كقولك : أزيد قائم أم عمرو؟ وقيل : أراد بمن يمشي مكبّا على وجهه من يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سويا من يحشر على قدميه إلى الجنة ، وهو كقول قتادة الّذي ذكرناه ، ومثله قوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (١). (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يخبرهم بأن الله هو الّذي أنشأهم النشأة الأولى (وَجَعَلَ) لهم (السَّمْعَ) ليسمعوا به (وَالْأَبْصارَ) ليبصروا بها ، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير ، وقد قدّمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان (وَالْأَفْئِدَةَ) القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله ، فذكر سبحانه ها هنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحا للحجّة ، وقطعا للمعذرة ، وذمّا لهم على عدم شكر نعم الله ، ولهذا قال : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) وانتصاب قليلا على أنه نعت مصدر محذوف ، و «ما» مزيدة للتأكيد ، أي : شكرا قليلا أو زمانا قليلا ، وقيل : أراد بقلّة الشكر عدم وجوده منهم. قال مقاتل : يعني أنكم لا تشكرون ربّ هذه النعم فتوحّدونه (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يخبرهم أن الله هو الّذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها ، وفرقهم على ظهرها ، وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره. ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : متى هذا الوعد الّذي تذكرونه لنا من الحشر والقيامة والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك ، والخطاب منهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ولمن معه من المؤمنين ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبيّنوه لنا ، وهذا منهم استهزاء وسخرية. ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجيب عليهم ، فقال : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) أي : إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره ، ومثله قوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب ، فقال : (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أنذركم وأخوّفكم عاقبة كفركم ، وأبيّن لكم ما أمرني الله ببيانه. ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) يعني رأوا العذاب قريبا ، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل ، أي : مزدلفا ، أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف ، أي : ذا زلفة وقرب ، أو ظرف ، أي : رأوه في مكان ذي زلفة. قال مجاهد : أي قريبا. وقال الحسن : عيانا. قال أكثر المفسرين : المراد عذاب يوم القيامة ، وقال مجاهد : المراد عذاب بدر ، وقيل : رأوا ما وعدوا به من الحشر قريبا منهم ، كما يدلّ عليه قوله : (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وقيل : لما رأوا عملهم السيّئ قريبا (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : اسودّت ، وعلتها
__________________
(١). الإسراء : ٩٧.