قال قتادة : القلم من نعمة الله على عباده (وَما يَسْطُرُونَ) «ما» موصولة ، أي : والّذي يسطرون ، والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره ؛ لأن ذكر آلة الكتابة تدلّ على الكاتب. والمعنى : والّذي يسطرون ، أي : يكتبون كل ما يكتب ، أو الحفظة على ما تقدّم. ويجوز أن تكون ما مصدرية ، أي : وسطرهم ، وقيل : الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء ، وجواب القسم قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ما نافية ، وأنت اسمها ، وبمجنون خبرها. قال الزجاج : أنت هو اسم ما ، وبمجنون خبرها ، وقوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) كلام وقع في الوسط ، أي : انتفى عنك الجنون بنعمة ربك ، كما يقال : أنت بحمد الله عاقل ، قيل : الباء متعلقة بمضمر هو حال ، كأنه قيل : أنت بريء من الجنون متلبسا بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة. وقيل : الباء للقسم ، أي : وما أنت ونعمة ربك بمجنون. وقيل : النعمة هنا الرحمة ، والآية ردّ على الكفار حيث قالوا : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (١) (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) أي : ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوّة ، وقاسيت من أنواع الشدائد (غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي : غير مقطوع ، يقال : مننت الحبل إذا قطعته. وقال مجاهد : (غَيْرَ مَمْنُونٍ) : غير محسوب ، وقال الحسن : (غَيْرَ مَمْنُونٍ) : غير مكدّر بالمنّ. وقال الضحاك : أجرا بغير عمل. وقيل : غير مقدّر ، وقيل : غير ممنون به عليك من جهة الناس (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قيل : هو الإسلام والدين ، حكى هذا الواحدي عن الأكثرين. وقيل : هو القرآن ، روي هذا عن الحسن والعوفي. وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله. قال الزجاج : المعنى إنك على الخلق الّذي أمرك الله به في القرآن ، وقيل : هو رفقه بأمته وإكرامه إيّاهم ، وقيل : المعنى : إنك على طبع كريم. قال الماوردي : وهذا هو الظاهر ، وحقيقة الخلق في اللغة ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب. وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن. وهذه الجملة والتي قبلها معطوفتان على جملة جواب القسم. (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) أي : ستبصر يا محمد ويبصر الكفار إذا تبين الحق وانكشف الغطاء ، وذلك يوم القيامة (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) الباء زائدة للتأكيد ، أي : أيكم المفتون بالجنون ، كذا قال الأخفش وأبو عبيدة وغيرهما ، ومثله قول الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج |
|
نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج |
وقيل : ليست الباء زائدة ، والمفتون مصدر جاء على مفعول ، كالمعقول والميسور ، والتقدير : بأيكم الفتون أو الفتنة ، ومنه قول الشاعر الراعي :
حتّى إذا لم يتركوا لعظامه |
|
لحما ولا لفؤاده معقولا |
أي : عقلا. وقال الفراء : إن الباء بمعنى في ، أي : في الفريق الآخر. ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة «في أيكم المفتون» وقيل : الكلام على حذف مضاف ، أي : بأيكم فتن المفتون ، فحذف المضاف وأقيم المضاف
__________________
(١). الحجر : ٦.