فقالوا : (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) لما اعترفوا بالخطيئة رجوا من الله عزوجل أن يبدلهم جنة خيرا من جنتهم ، قيل : إنهم تعاقدوا فيما بينهم ، وقالوا : إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعنّ كما صنع أبونا ، فدعوا الله وتضرّعوا فأبدلهم من ليلتهم ما هو خير منها. قرأ الجمهور : (يُبْدِلَنا) بالتخفيف ، وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتشديد ، وهما لغتان ، والتبديل : تغيير ذات الشيء ، أو تغيير صفته ، والإبدال : رفع الشيء جملة ووضع آخر مكانه ، كما مضى في سورة سبأ (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) أي : طالبون منه الخير ، راجون لعفوه ، راجعون إليه. وعدّي بإلى وهو إنما يتعدّى بعن أو في لتضمينه معنى الرجوع (كَذلِكَ الْعَذابُ) أي : مثل ذلك العذاب الّذي بلوناهم به وبلونا أهل مكة بعذاب الدنيا ، والعذاب مبتدأ مؤخر ، وكذلك خبره (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي : أشدّ وأعظم لو كان المشركون يعلمون أنه كذلك ، ولكنهم لا يعلمون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) قال : هم ناس من الحبشة كان لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين ، فمات أبوهم ، فقال بنوه : إن كان أبونا لأحمق ، كان يطعم المساكين (أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) وأن لا يطعموا مسكينا. وأخرج ابن جرير عنه (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ) قال : أمر من الله. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إياكم والمعصية ، فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم ، وإن العبد ليذنب فيحرم به قيام الليل ، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيّئ له. ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قد حرموا خير جنّتهم بذنبهم». وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كَالصَّرِيمِ) قال : مثل الليل الأسود. وأخرج ابن المنذر عنه (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) قال : الإسرار والكلام الخفيّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) يقول : ذوي قدرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (إِنَّا لَضَالُّونَ) قال : أضللنا مكان جنتنا. وأخرجا عنه أيضا (قالَ أَوْسَطُهُمْ) قال : أعدلهم.
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ