ما يقطف من الثمار ، والقطف بالفتح المصدر ، والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف ، والمعنى : أن ثمارها قريبة ممن يتناولها من قائم أو قاعد أو مضطجع (كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي : يقال لهم كلوا واشربوا في الجنة (هَنِيئاً) أي : أكلا وشربا هنيئا لا تكدير فيه ولا تنغيص (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) أي : بسبب ما قدّمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا. وقال مجاهد : هي أيام الصيام (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ) حزنا وكربا لما رأى فيه من سيئاته : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) أي : لم أعط كتابيه (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) أي : لم أدر أيّ شيء حسابي ؛ لأن كلّه عليه (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) أي : ليت الموتة التي متّها كانت القاضية ولم أحي بعدها ، ومعنى : القاضية : القاطعة للحياة ، والمعنى : أنه تمنى دوام الموت وعدم البعث لما شاهد من سوء عمله وما يصير إليه من العذاب ، فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها وإن لم تكن مذكورة ؛ لأنها لظهورها كانت كالمذكورة. قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره منه ، وشر من الموت ما يطلب منه الموت. وقيل : الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب ، والمعنى : يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت عليّ (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) أي : لم يدفع عني من عذاب الله شيئا ، على أن ما نافية أو استفهامية ، والمعنى : أيّ شيء أغنى عني مالي (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي : هلكت عني حجّتي وضلّت عني ، كذا قال مجاهد وعكرمة والسدّي والضحاك. وقال ابن زيد : يعني سلطاني الّذي في الدنيا ، وهو الملك ، وقيل : تسلّطي على جوارحي. قال مقاتل : يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك ، وحينئذ يقول الله عزوجل : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) أي : اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي : أدخلوه الجحيم ، والمعنى : لا تصلوه إلا الجحيم ، وهي النار العظيمة (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) السلسلة : حلق منتظمة ، وذرعها : طولها. قال الحسن : الله أعلم بأيّ ذراع هو. قال نوف الشامي : كل ذراع سبعون باعا أبعد مما بينك وبين مكة ، وكان نوف في رحبة الكوفة. قال مقاتل : لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ، ومعنى (فَاسْلُكُوهُ) فاجعلوه فيها ، يقال : سلكته الطريق إذا أدخلته فيه. قال سفيان : بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه. قال الكلبي : تسلك سلك الخيط في اللؤلؤ. وقال سويد بن أبي نجيح : بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة. وتقديم السلسلة للدلالة على الاختصاص كتقديم الجحيم ، وجملة (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) تعليل لما قبلها (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي : لا يحث على إطعام المسكين من ماله ، أو لا يحثّ الغير على إطعامه ، ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء ، كما قال الشاعر (١) :
أكفرا بعد ردّ موتي عنّي |
|
وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢) |
__________________
(١). هو القطامي.
(٢). «الرتاع» : التي ترتع.