وأبو اليمان (١) والأشهب العقيلي بالإدغام ، وقرأ الجمهور : (تَسْتَكْثِرُ) بالرفع على أنه حال ، أي : ولا تمنن حال كونك مستكثرا ، وقيل : على حذف أن ، والأصل : ولا تمنن أن تستكثر ، فلما حذفت رفع. قال الكسائي : فإذا حذف أن رفع الفعل. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش (تَسْتَكْثِرُ) بالنصب ؛ على تقدير أن وبقاء عملها ، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود «ولا تمنن أن تستكثر» بزيادة أن. وقرأ الحسن أيضا وابن أبي عبلة (تَسْتَكْثِرُ) بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله : (يَلْقَ أَثاماً ـ يُضاعَفْ لَهُ) (٢) ، وقول الشاعر :
متى تأتنا تلمّم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا |
أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف ، كما في قول امرئ القيس :
فاليوم أشرب غير مستحقب |
|
إثما (٣) من الله ولا واغل |
بتسكين أشرب. وقد اعترض على هذه القراءة ؛ لأن قوله «تستكثر» لا يصح أن يكون بدلا من «تمنن» ، لأن المنّ غير الاستكثار ، ولا يصح أن يكون جوابا للنهي.
واختلف السلف في معنى الآية ، فقيل : المعنى : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوّة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير ، وقيل : لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها ، قاله عكرمة وقتادة. قال الضحاك : هذا ما حرّمه الله على رسوله ؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق ، وأباحه لأمته. وقال مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، من قولك : «حبل متين» إذا كان ضعيفا. وقال الربيع بن أنس : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير. وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك ، إنما عملك منّة من الله عليك ؛ إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته. وقيل : لا تمنن بالنبوّة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به. وقال محمد بن كعب : لا تعط مالك مصانعة. وقال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك. (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أي : لوجه ربك فاصبر على طاعته وفرائضه ، والمعنى : لأجل ربك وثوابه. وقال مقاتل ومجاهد : اصبر على الأذى والتكذيب. وقال ابن زيد : حمّلت أمرا عظيما فحاربتك العرب والعجم ؛ فاصبر عليه لله. وقيل : اصبر تحت موارد القضاء لله ، وقيل : فاصبر على البلوى ، وقيل : على الأوامر والنواهي. (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) الناقور : فاعول من النقر ، كأنه من شأنه أن ينقر فيه للتصويت ، والنقر في كلام العرب : الصوت ، ومنه قول امرئ القيس :
أخفّضه بالنّقر لمّا علوته (٤)
__________________
(١). في تفسير القرطبي : أبو السّمّال.
(٢). الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩.
(٣). «استحقب الإثم» : ارتكبه.
(٤). وعجز البيت : ويرفع طرفا غير خاف غضيض.