ويقولون : نقّر باسم الرجل إذا دعاه ، والمراد هنا النفخ في الصور ، والمراد النفخة الثانية ، وقيل : الأولى ، وقد تقدّم الكلام في هذا في سورة الأنعام وسورة النحل ، والفاء للسببية ، كأنه قيل : اصبر على أذاهم ، فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أمرهم ، والعامل في «إذا» ما دلّ عليه قوله : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ـ عَلَى الْكافِرِينَ) فإن معناه عسر الأمر عليهم ، وقيل : العامل فيه ما دلّ علي (فَذلِكَ) لأنه إشارة إلى النقر ، و «يومئذ» بدل من «إذا» ، أو مبتدأ وخبره «يوم عسير» ، والجملة خبر فذلك ، وقيل : هو ظرف للخبر ؛ لأن التقدير وقوع يوم عسير ، وقوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) تأكيد لعسره عليهم ؛ لأن كونه غير يسير قد فهم من قوله : «يوم عسير». (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) أي : دعني ، وهي كلمة تهديد ووعيد ، والمعنى : دعني والّذي خلقته حال كونه وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد ، هذا على أن «وحيدا» منتصب على الحال من الموصول ، أو من الضمير العائد إليه المحذوف ، ويجوز أن يكون حالا من الياء في «ذرني» ، أي : دعني وحدي معه ، فإني أكفيك في الانتقام منه ، والأوّل أولى. قال المفسرون : وهو الوليد بن المغيرة. قال مقاتل : يقول : خلّ بيني وبينه فأنا أنفرد بهلكته ، وإنما خصّ بالذكر لمزيد كفره وعظيم جحوده لنعم الله عليه ، وقيل : أراد بالوحيد الّذي لا يعرف أبوه ، وكان يقال في الوليد بن المغيرة : إنه دعيّ. (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) أي : كثيرا ، أو يمدّ بالزيادة والنماء شيئا بعد شيء. قال الزجاج : مالا غير منقطع عنه ، وقد كان الوليد بن المغيرة مشهورا بكثرة المال على اختلاف أنواعه ، قيل : كان يحصل له من غلّة أمواله ألف ألف دينار ، وقيل : أربعة آلاف دينار ، وقيل : ألف دينار. (وَبَنِينَ شُهُوداً) أي : وجعلت له بنين حضورا بمكة معه لا يسافرون ولا يحتاجون إلى التفرّق في طلب الرزق ؛ لكثرة مال أبيهم. قال الضحاك : كانوا سبعة ولدوا بمكة. وخمسة ولدوا بالطائف. وقال سعيد بن جبير : كانوا ثلاثة عشر ولدا. وقال مقاتل : كانوا سبعة كلهم رجال ، أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام والوليد بن الوليد ، فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك. وقيل : معنى شهودا أنه إذا ذكر ذكروا معه ، وقيل : كانوا يشهدون معه ما كان يشهده ، ويقومون بما كان يباشره. (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) أي : بسطت له في العيش وطول العمر والرياسة في قريش ، والتمهيد عند العرب : التوطئة ، ومنه : مهد الصبيّ. وقال مجاهد : إنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) أي : يطمع بعد هذا كلّه في الزيادة لكثرة حرصه وشدة طمعه مع كفرانه للنعم وإشراكه بالله. قال الحسن : ثمّ يطمع أن أدخله الجنة ، وكان يقول : إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي. ثم ردعه الله سبحانه وزجره فقال : (كَلَّا) أي : لست أزيده. ثم علّل ذلك بقوله : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) أي : معاندا لها كافرا بما أنزلناه منها على رسولنا. يقال : عند يعند بالكسر إذا خالف الحق وردّه ، وهو يعرفه ، فهو عنيد وعاند ، والعاند : البعير الّذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد ، ومنه قول الحارثيّ :
إذا ركبت فاجعلاني وسطا |
|
إنّي كبير لا أطيق العنّدا |
قال أبو صالح : «عنيدا» معناه مباعدا. وقال قتادة : جاحدا ، وقال مقاتل : معرضا. (سَأُرْهِقُهُ